يتم التشغيل بواسطة Blogger.

طريقة تركيب قالب بلوجر

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

النظام الطبقي في حضرموت

   
الموضوع مستخرج من كتاب الفكر والمجتمع في حضرموت
للإستاذ الفاضل كرامه بن مبارك بن سليمان بامؤمن
جمع وتنسيق : عبدالله بريك
  الحمد لله وحده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
    وبعد :
  يقول الله تعالى : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)) سورة القصص 0
  قد يكون فرعون هو أول من أسس النظام الطبقي القائم على قواعد وأصول ملزمة ؛ وذلك عندما  تجبر وطغى في أرض مصر وجاوز الحدود المعهودة في الظلم والعدوان ، (وجعل أهلها شيعا ) والشيع : جمع شيعة ؛ وهي الطائفة التي لها استقلالها الخاص و تشايع غيرها على ما يريد ، أي تتابعه وتطيعه وتنصره كما قال تعالى ( هذا من شيعته وهذا من عدوه ) ( القصص : 15 ) 0
  وفرعون جعل أهل بلاد القبط فرقاً ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض ، وقد أغرى بينهم العداوة إبقاءً على ملكه ليأمن تألبهم عليه ، على قاعدة فرق تَسُدْ المذهب السياسي القائم الآن في بلاد الكفر والظلم ، وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة  وقيل معنى شيعا : أصنافا في استخدامه يستعمل كل صنف في عمل من بناء وحرث وحفر وغير ذلك من الأعمال الشاقة ومن لم يعمل ضرب عليه الجزية فيخدمه بأدائها أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء لئلا تتفق كلمتهم يستضعف طائفة منهم أي يجعلهم ضعفاء مقهورين 0وقيل معنى شيعا: فرقاً مختلفة ، يُكرم طائفة ويهين أخرى ، فأكرم القبط ، وأهان بني إسرائيل. { ويستضعفُ طائفةً منهم } وهم بنو إسرائيل ، وهو يُرشد إلى كون المراد بقوله : { وجعل أهلها } لا يُخَصُّ ببني إسرائيل0
  والمفروض في الحاكم أنْ يُسوِّي بين رعيته ، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوة عن الأخرى ، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف .
 ولا شكَّ أن جَعْل الأمة الواحدة عدة طوائف له مَلْحظ عند الفاعل ، فمن مصلحته أن يزرع الخلاف بين هذه الطوائف ويشغل بعضها ببعض ، فلا تستقر بينهم الأمور ، ولا يتفرغون للتفكير فيما يقلقه ويهزّ عرشه من تحته ، فيظل هو مطلوباً من الجميع .
  لكن لن يدوم لفرعون هذا الظلم ؛ لأن الله تعالى كتب ألاّ يفلح ظَلُوم ، وألاَّ يموت ظلوم ، حتى ينتقم للمظلوم منه .
 وهنا تُطالعنا غضبة الحق تبارك وتعالى للمؤمنين { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض } [ القصص : 5 ].
  والحق تبارك وتعالى حينما يغَارُ على الذين استُضعِفوا لا يرفع عنهم الظلم فحسب ، وإنما أيضاً { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } [ القصص : 5] أئمة في الدين وفي القيم ، وأئمة في سياسة الأمور والملك { وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} [ القصص : 5 ] أي : يرثون مَنْ ظلمهم ، ويكونون سادةً عليهم وأئمةً لهم ، فانظر على كم مرحلة تأتي غيرة الله لأهل الحق .
     لذلك على أهل الثورات ( على الأنظمة العلمانية ) الذين جاءوا للقضاء على أصحاب الفساد وإنصاف شعوبهم ممَّنْ ظلمهم ، كان عليهم بعد أنْ يقضوا على الفساد ، وبعد أن يمنعوا المفسد أن يُفسِد ، ويحققوا العدالة في المجتمع ، كان عليهم أنْ يضموا الجميع إلى أحضانهم ورعايتهم ، ويعيش الجميع بعد تعديل الأوضاع سواسية في مجتمعهم ، وبذلك نأمن الثورة المضادة [1].
  إن الإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى، وهو كذلك " لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ، بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء والتحكم في الآخرين [2]
 " وما تخاذُل المسلمين وظهور بعض الممارسات التي لا يقرها الإسلام إلا بسبب انحطاطهم  . فالإسلام لا يحوي في تشريعاته ما يقر أي سوء معاملة أو تمييز ضد أحد للونه أو عرقه أو لغته أو لأي صفة جِبليّة جبله الله عليها. على عكس ما كان الأمر عليه في أديان ونظم تقر بصفة أو أخرى في قوانينها تفرقة عنصرية، أو تفضّل طبقة على طبقة لأسباب عنصرية تتنافى مع مبدأ المساواة بين البشر على منهج من العدل.
  فالإسلام يبقى شامخاً دين العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس، وهذا أحد أهم الخصائص المميزة لهذا الدين العظيم، وقد انجذب إليه بسبب هذا المبدأ الأساس آلاف المهتدين من شتى أصقاع الأرض، ومن خلفيات دينية وعرقية واجتماعية مختلفة، ليجدوا مكانهم ضمن المنظومة الإسلامية العالمية السمحة من بلال وعمار إلى مالكوم إكس[3] 
  ومما ينبغي التذكير به هنا " أن الشرع الإسلامي في جملة أحكامه لم يميز أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم- على غيرهم من الناس، بل أعلن أن الناس سواسية كأسنان المشط ؛ هم كذلك في الحقوق والواجبات، والمغارم والعقوبات. وقد قال عليه الصلاة والسلام (وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم-: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) (متفق عليه)[4] .
  ويؤكد العلامة محمد رشيد رضا في فتوى له بمجلة المنار – ستأتي بتمامها في الموضوع – على أن الشريعة الإسلامية شريعة عدل ومساواة لا شريعة تقسيم ومحاباة ، وأحكامها عامة . مدار العبادة فيها على تزكية النفس وتحليتها بالفضائل . ومدار المعاملات فيها على درء المفاسد والمضار ، وجلب المنافع ، وحفظ المصالح . وليس لأحد أن يخص آل البيت النبوي أو غيرهم بأحكام شرعية تؤخذ بالتسليم على أنها من التعبد ".
 لقد قام النظام الاشتراكي السابق بالقضاء على النظام الطبقي السائد في حضرموت ولكن بأساليب قاسية وخاطئة ولم يتم التخلص من فكرة عدم الكفاءة في الزواج بسبب الاختلاف الطبقي ؛ إذ ظلت تلك الفكرة موجودة ولم يحصل بسبب ذلك التلاحم والتراحم والتداخل بين مختلف شرائح المجتمع لتذوب فتشكل لحمة واحدة ينطبق عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه0وبعد الوحدة حاولت بعض قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام استقطاب الفئات التي تنتمي سابقا إلى طبقات ( السادة والقبائل والمشائخ )[5] للدخول في حزب المؤتمر مقابل اعطائهم المناصب القيادية في الحزب والمناصب المهمة في الدولة ؛ فالتحق كثير من هؤلاء بذلك الحزب ليشكلوا العمود الفقري له ؛ ويتمتعوا بامتيازات واسعة على الأصعدة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية فهم الذين يسيرون أمور الدولة ويحتكرون السلطة بشغلهم المناصب الإدارية والدينية والأمنية بالدولة ؛ مما شكل عامل أساسي لبعض القيادات المتعصبة التي تحن إلى عصور الجهل والتخلف التي ساد فيها النظام الطبقي البغيض لمحاولة إعادة انتاج واستنساخ النظام الطبقي البائد فحققت تلك الأقلية مجموعة من المكاسب والامتيازات على حساب أغلبية الشعب[6]0 وأدى ذلك إلى عودة بعض مظاهر النظام الطبقي السابق ومن ذلك التعالي على الناس بسبب الانتماء الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق العامة ومنع التزاوج بين مختلف الفئات وانتشار الظلم الاجتماعي بالتعدي على الناس ( وقد قتل مواطن من عيديد تريم بسبب ذهابه لجلب البطحاء من أحد الأودية فاعترضهم أحد المتسلطين الذين يدعون الملكية لذلك المكان ليمنعهم فلم يستجيبوا له فأخذ سلاحه وقتل المواطن ) والاستيلاء على الأملاك الخاصة مثل الأراضي الزراعية والسكنية و على الملكية العامة مثل مزارع الدولة والمستودعات ومباني التعاونيات وبعض المراكز الخدمية التي تم إقامتها  في أرض ميتة لم يسبق لأحد احياؤها ، والانتفاضة على الأرض الميتة من السهول والأودية والجبال وإدعاء بعض المتنفذين امتلاكها وتمكنهم من توثيق ذلك مع عدم قيامهم بإحيائها أو لمجرد سكنهم في جزء منها أو زراعتهم لجزء بسيط منها أو لوجود أكواخ وخيم لهم في مساحة بسيطة منها 0 ومن المعلوم بالأدلة الصحيحة التي أخذ بها المذهب الشافعي بطلان ذلك التملك وإن كان مع أصحابه وثائق لعدم وجود سبب التملك الشرعي وهو الإحياء لتلك الأرض ؛ ففي الحَدِيث الذي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق» . وقد دل الحديث دلالة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض على أن سبب تملك الأرض الميتة هو الإحياء لها بالبناء والزراعة ونحوها ؛ وأن الأرض الميتة قبل الإحياء ليست ملكا لأحد ؛ ومن ادعاء تملكها فهو ظالم ليس له حق فيها ولو كان معه ألف وثيقة00
   ومما ساعد على بقاء بعض مظاهر الطبقية :
-         التربية الدينية على مفاهيم خاطئة ؛ وسيتحدث عنها المؤلف بالتفصيل في الموضوع 0
-         التنشئة الإجتماعية على المفاهيم الطبقية الخاطئة التي لا يزال البعض يربي أولاده عليها ؛ مما يؤدي إلى عدم التوافق بينهم وبين المحيط الاجتماعي الحاضن لهم فتحدث بعض النزاعات والمشاكل الاجتماعية التي لا مبرر حقيقي لها 0
-         ومن تلك التنشئة الخاطئة ما يقع من بعض المعلمين في مدارسنا من استعمال المصطلحات الطبقية والتمييز بها بين الطلاب ؛ فينادي هذا : بالسيد وذاك بالشيخ فيرسخ المفاهيم الطبقية عندهم ويكون أداة للتجهيل ونشر التخلف ، بدلا من لعب دوره الحقيقي في نشر الوعي ومحاربة الجهل والتخلف والقضاء على العادات الخاطئة وتنشئة طلابه على المساواة والأخوة والتنافس الشريف القائم على الجد والاجتهاد 0 وقد نصت الأنظمة واللوائح المدرسية على وجوب المساواة بين الطلاب وعدم التمييز بينهم بسبب النسب أو المال أو المكانة الاجتماعية للأب " ويحضر وفقا – لقانون المعلم والمهن التعليمية - على شاغلي وظائف المهن التعليمية ، بأي حال من الأحوال ومهما كانت المبررات ، القيام بأي من المخالفات التالية ( 00 ممارسة أي سلوك أو أي عمل يخل بواجب النظرة المتساوية للتلاميذ والطلاب )[7] ونصت على حقوق الطلاب ومنها " الاحترام لكرامة الفرد والتقدير العادل دون غبن أو تحيز من جميع القائمين على العملية التربوية التعليمية في المدرسة "[8] ؛ لكن هناك من المعلمين من سقط في مستنقع الجهل والتخلف وخان الأمانة وابتلاه الله بموت الضمير وبلادة الحس وعدم الذوق 0
-         التربية على الذل والهوان التي لا يزال البعض يربي أولاده عليها فتجعلهم يتقبلون التمييز ضدهم :
من يهن يسهلِ الهوانُ عليه ... ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
والواجب على الآباء تربية الأولاد على العزة والإباء والشرف والقوة 0
-         نزعة التقديس - المتأصلة لدى كثير من الحضارم - للعادات المتلقاة عن الآباء والأجداد ، وعدم القبول بالنقد والتغيير لها  إذا خالفت الشرع أو المنطق أو الذوق السليم 0
-         التهمة الجاهزة بالدعوة إلى الفتنة التي يقذف بها المحامون عن الباطل في وجه الدعاة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي لتشويه سمعتهم وتنفير الناس عنهم 0
-         ضعف روح المبادرة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي ؛ بل وجود السلبية والتخذيل عند بعضهم 0
 وما سبق يبين الحاجة للحديث عن موضوع اجتماعي مهم وهو موضوع النظام الطبقي في حضرموت ؛ لأن ذلك النظام لا تزال له مظاهر وآثار موجودة في واقعنا المعاصر للأسف الشديد وقد ظن البعض أن الزمن كفيل بالقضاء على ذلك وكذلك انتشار التعليم ولكن هذا الظن مخالف لسنة الله في التغيير فالزمن عنصر محايد والتغيير لا يحصل إلا بجهد بشري والمجتمعات الأخرى التي عانت من التمييز العنصري لم تستطع التخلص من ذلك إلا بجهود كبيرة وشاقة ومن خلال عمل مؤسسي ومن ذلك إقامة الهيئات التي تعنى بمكافحة التمييز فالسود في الولايات المتحدة لم ينالوا حقوقهم اعتمادا على عاملي الزمن وانتشار التعليم بل بجهود بشرية كبيرة لم تنقطع حتى هذه اللحظة استطاعوا بها استرداد حقوقهم ومن ذلك حق التزاوج مع البيض0
  وقد ألف الدكتور خالد بن عبدالرحمن الجريسي كتابا للحديث عن الطبقية في الجزيرة العربية بعنوان " العصبية القبلية " وقد تعرض فيه للحديث عن النظام الطبقي في حضرموت وقد مثلت فيه حضرموت أسوأ نموذج طبقي في الجزيرة العربية مع بعض مناطق شمال اليمن ، لأن الطبقية هنا ليست عفوية بل قائمة على أسس وقواعد وأصول ؛ بل عمل البعض على تلفيق أصول دينية لها ليضفي عليها صفة القداسة والعصمة فيحول بذلك دون انتقادها ومحاولة القضاء عليها 0
  وقد أعتمد الدكتور الجريسي في أغلب ما كتبه عن حضرموت على كتاب استاذنا الفاضل كرامة بن مبارك بن سليمان بامؤمن المسمى     " الفكر والمجتمع في حضرموت " ؛ ذلك الكتاب الذي له قيمة عظيمة عند المثقفين الواعين والمهتمين بالفكر والتاريخ الحضرمي إذ قدم دراسة رائدة وقراءة واعية لفكرنا وتاريخنا ، وقد نفدت نسخه من السوق وهو بحاجة ماسة إلى من يتولى إعادة طبعه ونشره0  
  لكن الحديث عن الموضوع قد جاء في مواضع متفرقة من كتاب       " الفكر والمجتمع في حضرموت " فاقترحت على استاذنا الفاضل كرامة بامؤمن أن أجمع ما تفرق من الحديث عن ذلك الموضوع في كتابه وأخرجه في موضوع مستقل تحت عنوان " النظام الطبقي في حضرموت " فوافق استاذنا مشكورا على ذلك 0 وها أنا أقدم ذلك الموضوع الذي تناول الحديث عن النظام الطبقي في حضرموت من حيث النشأة والأسس التي قام عليها ومفاسده والحلول المطروحة لمعالجته وتخليص المجتمع من شروره 0
  وليس لي من جهد في الموضوع إلا جمع المادة وتنسيقها وترتيبها من جديد ووضع بعض العناوين لها مع بعض التعليقات في الهامش ، وقد جنحت في جمع المادة إلى الاختصار غير المخل نظرا لانصراف الناس عن قراءة المواضيع المطولة وقد أشرت في الهامش إلى الصفحات التي نقلت منها المادة وذلك اعتمادا على الطبعة الثالثة من الكتاب ، وأرجو أن أكون قد وفقت في عملي ذلك ، وأرجو من المشايخ والأساتذة الإفادة بملاحظاتهم وتقييمهم لهذا العمل وتقديم ما لديهم من اضافات وتعليقات لتنشر على هامش الموضوع في المستقبل إذا وافق استاذنا الفاضل كرامة بامؤمن على ذلك 0
  وقد أفادني بعض الأساتذة الفضلاء ممن أطلع على الموضوع ببعض التعليقات القيمة وهي موجودة في الحاشية ؛ ويسرني هنا أن أقدم لهم جزيل الشكر والتقدير ، والله الموفق 0
                                                                  عبدالله بريك
                                                               23/11/1433هـ
                                                                 9 /10/2012م

النظام الطبقي في حضرموت
تمهيد :
          لعب النسب دوراً كبيراً في تكوين المفاهيم والقيم ، وفي تحديد العلاقات الاجتماعية ، وفي اتخاذ المواقف لدى الإنسان الحضرمي[9] 0
          وينتسب البشر جميعاً دون استثناء إلى إنسان واحد هو آدم عليه السلام ، قد خلقه الله سبحانه وتعالى من طين ، وخلق منه زوجه حواء . ومن ذريتهما تكونت البشرية جميعها . قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء } [ سورة النساء : 1] فأصل البشرية إذن واحد ونسبها واحد ، والناس كلهم عبيد الله . وأي اصطفاء يبعد إنساناً أو فئة من الناس عن أصله الطيني وعن عبوديته لله سبحانه وتعالى ، فلا أساس له وهو باطل وافتراء على رب العباد . قال الله تعالى :        { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ } [ المائدة : 18] . وقال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " كـلكم لآدم وآدم مـن تراب " [10]
  والمتمعن في تعاليم الإسلام وحقائق علم الوراثة تنتفي لديه أسطورة أعراق طيبة بذاتها وأخرى خبيثة بذاتها وأنساب طاهرة وأخرى فاسدة وسلالات نقية تعلو ولا يعلى عليها لا تكافئها سلالات أخرى .  وفي النسب العربي لا عدنانية ولا قحطانية  .
   وإسماعيل عليه السلام نفسه جد عدنان قد تزوج جرهمية قحطانية وعبر السنين تمازجت ذرية من وصف بالعدنانيين مع ذرية من وصف بالقحطانيين وذرية فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تناكحوا مع غير بني هاشم بل ومع العجم واشتركوا مع كل المسلمين في صفاتهم البشرية التي ورثها كل البشر عن أبيهم آدم عليه السلام[11] .
   ولا معنى للاصطفاء والتفاضل بين الناس على أساس الأصل والنسب  لأن أصلهم واحد، وتكوينهم واحد كما قد بينا . وإنما يكون التفاضل الحقيقي على أساس العمل الصالح والإخلاص في العبودية لله سبحانه وتعالى . قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13] فالاصطفاء الأدائي إذن هو المعني عند الله تعالى ورسوله  ، لا الاصطفاء على أساس النسب قال الله تعالى:{ ما كان لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ  }  [ التوبة: 113ــ 114] . وعدو الله  أبو لهب لم ينفعه نسبه كعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده وزوجه بنار جهنم . والاصطفاء الرباني والذي يعني اختياره عبداً من عباده البشر لحمل الرسالة الإلهية وتبليغها للناس لا يقوم على أساس النسب الرفيع أو المال العريض أو الجاه العريق أو لرغبات بشرية أو اعتبارات اجتماعية بل هو إرادة ربانية وهو يعلم أين يضع رسالته . فقد استنكر اليهود وتساءلوا كيف اختار  الله طالوت ملكاً عليهم قال الله تعالى :{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }   [ البقرة : 247] . ودهشت قريـــش واحتجت كيف اختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو اليتيم الفقير ولم يختر الله الوليد بن المغيرة عظيم القريتين قال الله تعالى:{ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31][12] .
لمحة عن النظام الطبقي في العالم :
  لا تستقيم حياة الناس وتنتظم وتدوم في أي مجتمع إلاّ بالتعاون والاحترام المتبادل وهو ما عبرنا عنه بالسخرة الربانية وتضطرب حياة الناس ويتكدر صفاؤها في مجتمع يسوده الظلم والاضطهاد وتعوزه العدالة الاجتماعية فتستغل فئة المال والقوة والعلم الفئات الأخرى بحسب ما تفتقر إلى المال والقوة والعلم ويتحول الاستغلال هذا إلى ما قد عبرنا عنه بالسخرة البشرية  فالسخرة البشرية صفة مميزة للمجتمع الطبقي . وقد قسم الفلاسفة اليونان المجتمع البشري إلى ثلاث طبقات رئيسة هي : ـ
                    1ـ طبقة الحكماء .
                    2ـ طبقة الجند .
                    3ـ طبقة الأقنان والعبيد [13].
  ويشكل الفكر الديني الهندوسي أعتى المذاهب الفكرية تكريساً للتمايز الاجتماعي على أساس نظام طبقي وراثي . تشكل فيه طبقة البراهمة أعلى وأشرف طبقة ويشكل المنبوذون أدنى وأحط طبقة في المجتمع الهندي الهندوســي فهي منبوذة نجسة مقهورة . ويكاد كل مجتمع إنساني لا يخلو من الترتيب الطبقي ويبقى التعالي والاستغلال سمة المنحرفين الطبقيين[14].  فهم الفئة المتعالية التي تعتمد العرق والنسب أساساً للتفاضل على بني البشر  وتتميز بتخريجاتها الدينية والفلسفية والعلمية وبممارساتها الممقوتة إسلامياً وإنسانياً . وأهم العنصريات المتعالية اثنتان هما : اليهودية والآرية[15].
  ويروي لنا علي بن احمد بن شهاب الدين أن القطب الصوفي محمد بن علي الملقب بالفقيه المقدم قد قسم المجتمع الحضرمي إلى ثلاث طبقات رئيسة هي: ـ
                     1ـ طبقة الملوك .
                     2ـ طبقة العسكر .
                     3ـ طبقة العلماء .
  وأن الملك والعلم قد وقع في أيدي السادة العلويين واستحوذت القبائل بالجانب العسكري 0         
  وتروي الأسطورة الحضرمية[16] بداية تشكل المجتمع الطبقي في حضرموت فتقول : نظم في قديم الزمان سباق بين الأجداد وكانوا وقتها متساوين . ووضع في نهاية السباق الكتاب والسيف والمسحاة . حيث ترمز الثلاثة إلى العلم والقوة والعمل بالتتالي فانطلق الأجداد الثلاثة في سباقهم نحو الأهداف الثلاثة فاستلم الأول الكتاب فكان هو العالم الفاضل جد طبقة السادة واستلم الثاني السيف فكان هو القبلي المسلح جد طبقة القبائل وأما الجد الثالث فقد فاجأه البول أثناء السباق فجلس ليبول ووصل آخر المتسابقين فاستلم المسحاة فكان هو العامل المسكين جد طبقة المساكين ، ولقب بالبخسوس " أسم لحشرة زراعية غير ضارة وهي الخنفساء " وقد ضرب به المثل في المسكنة والتذلل والمسالمة فقيل : " تبخسس تسلم " وهكذا تشكل المجتمع الطبقي الحضرمي المكون من الطبقات الرئيسة التالية : ـ
                    1ـ طبقة السادة .
                    2ـ طبقة القبائل .
                   3ـ طبقة المساكين[17] .
  وقد اقتبس الشيخ علوي بن سقاف الجفري بعض الأفكار العنصرية حول تفاضل البشر حسب عروقهم واجتهد العلامة علوي بن طاهر الحداد في وضع تخريجات عنصريــة في نفس الاتجـــــاه العنصـــري في كتابــــه " القول الفصل "[18] والذي تعصب فيه لأهل البيت تعصباً شيعياً أعمى . فأوَّل وغالى وشطح في فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فورد مورد العنصريين . فشكلت أفكار الجفري والحداد ما يمكن أن نطلق عليه بالعنصرية الببغاوية . لأنهما رددا كما تردد الببغاء بعض أفكار وتخريجات العنصريتين اليهودية والآرية وذلك في خضم الصراع الفكري " الإرشادي ــ العلوي " في إندونيسيا .
  ونستعرض النظرية الببغاوية هنا في إطار النظريات العنصرية الأخرى لأنها عبرت عن بعض الأفكار ذات الأثر الاجتماعي في حضرموت خلال بعض أدوار الفكر الحضرمي[19].
     وتستمد العنصرية اليهودية فكرها من التوراة والتلمود المحرفـين ومن بروتوكولات حكماء صهيون. وتستند على فكرة أن اليهود هم العنصر البشري الممتاز والمختار الذي اصطفاه الله للسيادة على البهـائم وهي الأمم الأخرى . وهي التي سخرها الإله (يهوه) لخدمتهم وانه لا ضير عليهم في خداعهم والكـذب عليهم وخيانتهم لتحـقيق مآربهم[20] 0 وقد فضحهم الله سـبحانه  وتعالى فقال عنهم : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }  [ البقرة : 61][21]
  وكرد فعل للعنصرية اليهودية السامية ظهرت في أوربا العنصرية الآرية التي تمجد العنصر الآري الأوربي وظهر فلاسفة وكتاب ألمان ينادون بتفوق العنصر الآري.  وبلغت هذه العنصرية أوجها في عهد الزعيم الألماني هتلر الذي صنف شعوب العالم حسب أفكاره النازية في سلسلة من الاصطفاء والتفاضل جعل في قمتها الشعوب الجرمانية وهبط بالشعب العربي في الدرك الأسفل من السلسلة وتأتي من بعدهم الشعوب الزنجية..
  ومـارس الأوربيون الغـربيون العنصرية في مستعمراتهم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل استقلالها وفي جنوب أفريقيا مارس البيض العنصريون فيها الفصل العنصري مسكناً ومطعماً وملبساً وثقافة الخ فقاومهم الإفريقيون بقيادة زعيمهم مانديلا حتى انتصروا وأنهوا العنصرية الآرية المتمثلة في الأقلية  البيضاء من الأوربيين[22]
  وقد " رددت العنصرية الاستعلائية بعض أفكار العنصريتين السابقتين لها وهما العنصرية اليهودية السامية والعنصرية الأوربية الآرية فيما يتعلق بالاصطفاء والتفاضل البشري . وأخذت تضرب الأمثال من عالم الإنسان والحيوان والنبات . وتتمثل بآراء العنصريين من علماء الوراثة والبيئة والتربية. وتستشهد بأفكار غلاة الشيعة في تأويل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة . وظهرت أفكار العنصرية الاستعلائية لمواجهة الفكر المستنير في دور الفكر التنويري الحضرمي الذي أعقب الدور الصّوفي سواء في المهجر بإندونيسيا وماليزيا أم في حضرموت نفسها. وأبرز ما تميز به فكر المستنيرين الحضارم دعوتهم إلى المساواة بين جميع الحضارم وإنهاء التمايز الاجتماعي القائم على النسب ومن ضمن ذلك الكفاءة الزوجية[23]0
  فكان علوي بن سقاف الجفري يطرح أفكار التفاضل والاصطفاء النَّسَبي ومما قاله : " القبائل تتفاضل . وأفضلهم آل المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهم : بنو هاشم وبنو عبد المطلب . وهؤلاء يتفاوتون في الفضل ، فيفضل السبطان - الحسن والحسين - على غيرهما من بني هاشم . ويفضل بنو هاشم على بني عبد المطلب ثم قريش لأنها أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم  . ثم بنو إسرائيل وهم نسل يعقوب لأن فيهم الأنبياء ثم بقية الآدميين . والآدميون أفضل من الجن . وقد قال الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل :{ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  }[البقرة 47]
  وكما قسمت العنصرية اليهودية البشر إلى قسمين فقط هما : اليهود شعب الله المختار وبقية الآدميين وهم البهائم . وقسمت النازية البشر إلى سلسلة من المراتب المتفاضلة أرقاها وأسيدها الجرمان . وفي أسفلها يأتي العرب وأدنى منهم الزنوج . فإن  الجفري في تخريجاته العنصرية  تميّز بالآتي : -  
(أ) إدخال عنصر الجن في سلسلته التفاضلية وجعلهم أدنى من الإنس ، وهذا لم تدخله النظريات العنصرية الأخرى .
(ب) تقديم بني إسرائيل على بقية العرب بعد قريش . وهذا ما يتفق مع السلسلة العنصرية النازية التي جاء فيها اليهود قبل العرب .
( جـ) تقديم ذرية الحسن والحسين على غيرهم من بني هاشم .
  والجدير بالذكر أن بعض المغالين من العلويين الحضارم قد اشترط في التفاضل نقاء السلالة فذكر أن العلويين الحضرميين أفضل من بقية ذرية الحسن والحسين الذين إدغموا واندمجوا في مجتمعاتهم العربية في حين  حافظت ذرية العلويين على نقاء السلالة . هذا وقد جاء علوي بن طاهر الحداد المفتي والمؤرخ والشيعي المتطرف فأغنى العنصرية الاستعلائية بأفكاره وتخريجاته العنصرية . فأنكر المساواة بين مسلمي الشعوب ففضل العرب على العجم دون اعتبار لسلوكهم الإسلامي القائم على التقوى . واستخدم أفكار علماء الوراثة والتربية العنصريين لتأكيد آرائه العنصرية التي ضمنها كتابه :" القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل بجزئيه الأول والثاني" .
  لقد كان للنظرية الاستعلائية صدى واسع في صفوف الحضارم المحافظين والتقليديين والمتأثرين بالفكر الصوفي الشيعي السائد في حضرموت منذ القرن السابع الهجري . كما كان للفتوى التي أطلقها الإرشاديون الحضارم المنادون بالمساواة والخاصة بعدم اشتراط النسب في الكفاءة الزوجية ما يشبه القنبلة الاجتماعية التي هزت أركان البنيان الاجتماعي الطبقي في حضرموت والمهجر[24] .

لمحة تاريخية عن نشأة النظام الطبقي في حضرموت :
1) المجتمع في الدور الوثني : ـ
   تميز الدور الوثني في اليمن عامة وحضرموت خاصة من الناحية الثقافية بأمية شاملة وانحطاط ديني . برز من خلال الاعتقاد بالأصنام وتقديس الأشجار والأرواح التي يمكن أن تتقمص هذه الأصنام أو هذه الأشجار . كما تميز المجتمع الوثني أيضاً بعلاقات اجتماعية جائرة لا إنسانية . يضطهد من خلالها القوي الضعيف . وبلغت العصبية القبلية شأوها البعيد في التعالي والتفاخر والتناحر بين فئات المجتمع . فجعل الملوك من أنفسهم نواباً للآلهة وسدنة للمعابد وأوصياء على أراضي شاسعة اقتطعوها باسم الآلهة . وعبَّدوا الضعفاء وسخروهم لخدمتهم وخدمة الطبقة العليا في المجتمع  من عباهل وأقيال وكهان وسدنة معابد .
          في خضم هذا التناقض الاجتماعي والانحطاط الديني برزت نخبة من المفكرين والحكماء والشعراء والرواة الحضرميين واليمنيين تعبر عن واقعها وتحكي لأجيالها صورة ذلك الواقع[25].
  2 ) الفكر والمجتمع في ظلال القرآن والسنة : ـ
  شكل القرآن الكريم والسنة النبوية الصياغة الجديدة لمجتمع إسلامي تسوده الأخوة الإسلامية والعدالة الاجتماعية . وقد تأسس ونهض على أنقاض مجتمع طبقي تسوده الأمية والعصبية القبلية و الاضطهاد الاجتماعي  ولم يكن الإسلام ـ ومصدراه الأساسيان القرآن والسنة ـ عقيدة تقوم على توحيد الله وتنزيهه فحسب بل هو شريعة تنظم حياة المسلمين أفراداً وجماعات وشعوباً فهو دنيا ودين وروح ومادة . ولنا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين وأصحابه الميامين والتابعين من بعدهم القدوة الحسنة في التطبيق العملي للفكر الإسلامي الجديد . فهم الذين استوعبت عقولهم الإسلام واطمأنت إليه قلوبهم فكانوا الأداة الصادقة في الانقلاب الفكري والتغيير الاجتماعي الذي أحدثه الإسلام . وشكل هذا الانقلاب وهذا التغيير النقلة النوعية للإنسانية من المجتمع الوثني إلى المجتمع الإسلامي الذي انفرد بتوحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه جلَّ وعلا وإنقاذ كل البشر من مختلف أشكال العبودية والاستغلال . ويجدر بنا أن نشير هاهنا إلى ثلاثة معالم في هذا الطريق وهي : ـ
أ ـ  الأخوة الإسلامية : ـ 
          الأخوة الإسلامية هي الرابطة الجديدة في المجتمع الإسلامي الجديد التي حلت محل الرابطة النسبية في المجتمع الوثني . وقد وقفنا على فساد المجتمع الوثني القائم على أساس العصبية القبلية والتفاخر البغيض والتناحر المهلك للحرث والنسل . فالأخوة الإسلامية تعني نسفاً جذرياً وكاملاً للبناء الاجتمـاعي الذي يقسم المجتمع إلى سـادة وعبيد ، ووجهاء ودهماء ، وأغنياء وفقراء . فقد ألف الإسلام بالأخوة الإسلامية بين العدناني والقحطاني والعربي والعجمي والغني والفقير . فوقف علي بن أبي طالب وسعد بن عبادة وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي صفاً واحداً أمام الله يؤمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. ويتجلى في هذه الوقفة التي تتكرر خمس مرات في كل 24ساعة في كل بقاع المسلمين صدق الأخوة الإسلامية ومعانيها السامية التي تترجم عملياً في حياتهم العامة . قال الله تعالى : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  } [ الأنفال : 68] . وفي أول عهد اليمنيين والحضرميين بالإسلام لم تكن الأخوة الإسلامية قد تمكنت من نفوسهم فبقيت فيها بقية من جاهلية جهلاء وعصبية عمياء خاصة لدى الزعامات العشائرية فارتد من ارتد وتمرد من تمرد وبقي الراسخون في الإسلام المدركون لمعانيه في الأخوة الإسلامية فكانت مثل الصدمة الفكرية التي أعادت الغاوين إلى رشدهم في فهم واستيعاب الأخوة الإسلامية .
ب ـ الحرية بمفهومها الإسلامي :
          لا يستطيع الإنسان أن يكون حراً إلا إذا كان عبداً مخلصاً لله وحده . كمـا لا يستطيع التخلص من ممارسة الاستعباد إلا إذا كان عبداً مخلصاً لله وحده . ولو كان فرعون عبداً مخلصاً لله لما قال لقومه أنا ربكم الأعلى ولما عبَّد بني إسرائيل . والمسلمون لما أدركوا معنى الحرية بعبادتهم لله وحده تغيرت نظرتهم نحو العلاقة بين السيد والعبد وقال لهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إنهم مواليكم وإخوانكم . وتسابق المسلمون في تحرير عبيدهم وعبيد غيرهم . وضيق الإسلام مصادر الرقيق وفرض التحرير في عدة حالات وخصص نصيباً من زكاة المسلمين لتشجيع حركة تحرير العبيد ووعد الله كل من يحرر عبده بأجر عظيم في الآخرة . وقد أباح الإسلام زواج الأمة من سيدها . وبمجرد أن تلد الأمة من سيدها تصبح أم ولد وتكتسب الحرية بموت سيدها . وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه المثل الأعلى في فهم معنى الحرية فأعتقوا عبيدهم وعبيد غيرهم بالشراء . وبمجرد أن يتحرر العبد في الإسلام يصبح كفؤاً للحر وينسب إلى أبيه لا إلى مولاه فهو أولى به وأكرم لإنسانيته . والرسول محمد  صلى الله عليه وسلم  يضرب لنا المثل الأعلى فيزوج زيد بن حارثة الذي كان مولاه والمنسوب إليه على زينب ابنة جحش ابنة عمته. ويولي أسامة بن زيد قيادة أول جيش إسلامي يبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة العربية وتحت إمرته كبار الصحابة وذلك لمواجهة جيش الإمبراطورية الرومانية . وكان ثوبان بن يحدد الحمومي الحضرمي قد أُختطف في جبال السراة اليمنية فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعتقه وذهب لشأنه دون أن يرتهن لمعتقه بخدمة تسري عليه وعلى ذريته كما فعل بعض الحضرميين[26] .
3) الدور الصوفي بحضرموت ودوره في نشأة النظام الطبقي [27]:
          نشأ وترعرع الفكر الصوفي الحضرمي زهاء سبعمائة عام . وقد ترك هذا الفكر بصماته على الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية بحضرموت وأحدث مؤثرات عميقة في حياة الناس وترك لنا تراثاً يجدر بنا أن نعطيه حقه من البحث والدراسة لتقف عليه الأجيال بوعي وبصيرة لتستنير بهدى فضائله ولتتجنب ما لا يستجيب لشرع أو عقل أو عقيدة مما شابه أو أدخل عليه . وكان للفكر الصوفي الحضرمي بصماته في الآتي :ـ
ترسيخ المجتمع الطبقي :ـ 
  هيمن الفكر الصوفي ذو النزعة الشيعية على مظاهر الحياة الاجتماعية الحضرمية ردحاً من الزمن أطلقنا عليه الدور الصوفي . بلغ التمايز الاجتماعي مداه خلال هذا الدور . كما ساد هذا الدور جهل واسع مطبق على حملة السلاح وحملة الشريم . واستحواذ للمعرفة لحملة الأقلام في دائرة ضيقة من المجتمع وترسيخاً للمجتمع الطبقي السائد خلال الدور الصوفي وجه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط العلويين لإقامة معلامة في دولة ابن مقيص المسنودة من قبلهم بهدف تعريف جهال طبقات الناس بمبادئ دينهم  دون تعليم القراءة والكتابة لما فيه من خطر . فقال في رسالة له مخاطباً السادة ومن بينهم وزير السلطان ابن مقيص السيد عبدالله بن أبي بكر عيديد : ـ " وإن رأيتم يا سادتي أن ترشدوه ( يقصد ابن مقيص ) وتعولوا عليه في أن يقيم علمة خاصة لتعليم مهمات الدين التي يلزم الكل تعلمها ولو بالرحلة  الى الصين ، ويحمل الكل من جهال طبقات الناس على دخولها من شريف ، وقبيلي ، وحرَّاث، وساني ، وسائل ، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً . ويكون ذلك تلقيناً من غير حضور قلم ولا دواة لما فيهما من المضرة لبعض الناس ممن يقل خوفه من الله"[28] 0
   هذا وقد شاعت خلال الدور الصوفي مصطلحات التمايز الاجتماعي كالقبيلي والسيد والعبد والضعيف والصفات المتقابلة : محب وحبيب ، وخادم[29] وسيد ، ووضيع وشريف . وفي الحادثة التي يرويها الشيخ العلامة سالم ابن حميد الكندي صورة مؤثرة عن أسلوب التعامل بين السيد والسلطان والضعيف كرموز للمجتمع الطبقي السائد خلال الدور الصوفي بحضرموت . يقول ابن حميد : إنه في سنة 1115هـ اتفق السيد زين العابدين بن مصطفى بن زين العيدروس مع ضعيف من تريم ليوضن له خُبراً بأجرة ألفي خبرة. فلما وضنها الضعيف أتى بها إلى دار السيد زين ، فاتهم السيد الضعيف بسرقة مئتي خبرة ، وربطه بالسهم (العمود) ، وأمر أخدامه بضربه . ولما لم يقر الضعيف بما اتهم به أتى السيد بآخرين لضربه وعندما علم السلطان عيسى بن بدر الكثيري في سيؤن بما فعله السيد زين جعل على أخدام السيد زين دراهم نفاعة (لعله يقصد غرامة[30] ) . وتحرك السيد عبدالله بن مصطفى أخو السيد زين إلى سيؤن ليتوسط لدى السلطان فيما فعله أخوه زين بالرجل الضعيف . ولما التقى السيد مصطفى بالسلطان عيسى وكان في مجلسه بعض الوجهاء قال : أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم الحديث.                       ما هكذا يفهم الإسلام يا قوم ! أين نحن من معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مجتمع المدينة المنورة في حادثة وساطة مماثلة وهي قصة المرأة المخزومية التي سرقت[31] .
السلم الطبقي في حضرموت في الدور الصوفي : ـ
  تقدم لنا المدونات التاريخية التي ازدهرت منذ القرن العاشر الهجري كثيراً من المعلومات عن الوضع الاجتماعي في حضرموت . وقد أعيد تركيب المجتمع الحضرمي ولاسيما بعد ترسخ الفكر الصوفي وظهور المناصب الذين اعتلوا قمة الهرم الاجتماعي . وتبادلت فئات اجتماعية المواقع في التركيب الاجتماعي منذ أن غزا حضرموت من يطـلق عليهـــم المؤرخــون الحضارم " القبائل الناقلة " وهي تلك القبائل اليمنية القادمة من شمال حضرموت أو شرقيها في ظفار مثل قبائل : نهد ، وبني ظنة ، وبني حرام ، وآل كثير والتي أخذت تغير على حضرموت وتعلو على القبائل المتنفذة السابقة لها وهي قبائل حضرموت " القبيلة " وكندة والتي استقر الكثير منها في المدن وتركوا السلاح واشتغلوا بالعلم والتجارة والمهن الأخرى أو لاذوا بالجبال والصحراء وعاشوا حياة البداوة . ومن تمدن وتحضر من القبائل لم يعد يهتم كثيراً بالنسب الذي هو أساس العصبية التي لم يعد في حاجة إليها . وبقي ذلك عند حملة السلاح . وفي العهد السلاطيني ظهر في المجتمع العبيد الإفريقيون الذين جلبهم السلاطين والأمراء وبعض الأثرياء لحمايتهم وخدمتهم في قصورهم وبيوتهم .
  إن من يتفحص نسيج وعلاقات البناء الاجتماعي في حضرموت خاصة في الدور الصوفي يجد أن المجتمع الحضرمي يتكون من ثلاث فئات     ( طبقات ) اجتماعية رئيسة هي : ـ
1ـ فئة التعالي وسلاحــــها : العلم ويمثلــــها : السادة .
2ـ فئة التسلط وسلاحـــها : القوة ويمثلها : القبــــائل .
3ـ فئة التمسكن وسلاحها : العمل ويمثلها : المساكين . 
          وتحمي كل فئة من هذه الفئات الثلاث نفسها وتحافظ على وجودها من الفناء وعلى تماسكها من الانقراض بسلاحها . فبالعلم حافظ السادة على تميزهم وبه اعتلوا قمة الهرم الاجتماعي وروضوا به بطش القبلي وجلافة البدوي ، وقادوا به خطام المسكين . وبالقوة حافظت القبائل على تميزها وانتزعوا مكانتهم في المجتمع بالحق وبالباطل وبباطل الباطل أحياناً . وبالعمل والصبر و الانقياد سلم المساكين من بطش القبائل وكسبوا مودة السادة لهم وفي خدمة الجميع عاشوا سالمين .
  وفيما يلي شرح تفصيلي للسلم الطبقي الذي تكون في تلك الفترة:
أ ـ السادة[32]
 ينتسب السادة في حضرموت إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد اكتسب السادة بهذا النسب الشريف الذي يقربهم للرسول محمد صلى الله عليه وسلم الموقع الأعلى في المجتمع الحضرمي[33] وتعزز هذا الموقع الذي يحتل رأس الهرم الاجتماعي بعاملين هما : العلم والمال . وأفرز الفكر الصوفي الشيعي الذي تربع على عرشه الفقيه المقدم شريحة اجتماعية فوق فئة السادة هي المناصب الذين اعتلوا قمة الهرم الاجتماعي وهم أقطاب الصوفية الذين أسسوا الحوط كعواصم لمراكز نفوذهم الروحي الذي هيمن على كل فئات المجتمع وارتبطت كل حوطة بقبيلة من القبائل حملة السلاح تحميها وتنصاع لتوجيهات منصبها . ولعب السادة من خلال موقعهم الاجتماعي هذا المعزز بالنسب الشريف والعلم اللدني والمال الوفير دوراً ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بارزاً في الوطن والمهجر. وحرصوا على عادات وتقاليد وشعائر بل وزيّ خاص يميزهم ويحفظ لهم هذه المكانة الاجتماعية المرموقة ويقولون إن الفقيه المقدم قد دعا لهم بثلاث خصال هي: ـ
 1ـ ألا يردوا إلى العمومية ( أي زي العوام وسيرتهم )[34] .
 2ـ ألا يجعل عليهم يداً لأحد .
  3ـ ألا يموتوا إلاّ مستورين .
وكانوا يحذرون أبناءهم من الخروج عن طريق السلف التي خططت لهم

ب ـ المشائخ[35] :
          هم الفقهاء وأصحاب القيادة الدينية في حضرموت من أهل السنة قبل أن ينتزعها منهم السادة . وبعد أن دخل السادة مدينة تريم وحلوا فيها اعترف المشائخ بنسب السادة وقبّلوا أيديهم[36] وتنازلوا لهم عن لقب سيد إلاّ إن المشائخ آل " باعباد " احتفظوا بلقب سيد لفترة أطول كما تشير إلى ذلك مدوناتهم  . ولعل هذا يعود إلى اعتزازهم بانتسابهم إلى الخليفة عثمان بن عفان ذي النورين فيرون أنهم كفؤ للسادة آل " باعلوي" بلقب " سيد ". وقد عزز المشائخ مكانتهم الاجتماعية برفع انتسابهم إلى بعض الصـــــحابة  كأبي بكر الصديق ، وعباد بن بشر ، وعقيل بن أبي طالب وغيرهم , يقول صاحب الشامل  : " الأنساب الحضرمية إنها كلها للتملق . وليست قائمة على علم الأنساب بل هي توهمات و زعم واشتقاقات يقولها السذج والعوام والمتملقون أوقـالها سـلفنا " السادة آل باعلوي " تفاؤلاً !! أوعن طريق عقد النسب (الولاء ) فسعيد غير القبيلي يعقد مع سعيد القبيلي بالنسب فيصبح قبيلياً بالولاء . "
   وشرب المشائخ من نفس المنهل الصوفي المتشيع لأهل البيت واحتفظ البعض بحياته البدوية فظل محافظاً على حمل السلاح لابساً زي البدو ممارساً للعادات البدوية خاصة في غرب حضرموت .
          وفي البدء كانت أسر المشائخ متولية شئون الفقه والتعليم والإرشاد كل في منطقتها ولكنها اليوم قد توزعت في كل مناطق حضرموت وترك الكثير من المشائخ وظيفتهم الفقهية والإرشادية وامتهنوا كل الأعمال خاصة التجارة كغيرهم من سكان حضرموت .
جـ ـ القبائل[37]
          تحتل القبائل موقع الفئة الرئيسة الثانية في الهرم الاجتماعي الحضرمي وترتبط في داخلها بوشائج النسب ، وتحتفظ فيما بينها بروابط الحلف والاتحاد . ويشكل البدو معظم أفراد هذه الفئة حيث يحتلون مرتبة تحت فئة التسلط في حين يحتل السلاطين مرتبة فوق فئة التسلط  . وكانت القبائل مصدر الجيوش في النظام الإنكلوسلاطيني . وبلغ الجيش البدوي الحضرمي تحت القيادة البريطانية أقوى قوة عسكرية في حضرموت كلها وقد لعب دوراً أساسياً في إنهاء الوجود السلاطيني بانحيازه إلى الثورة في حضرموت وجنوب اليمن . ولكن هذا الجيش قد فتته وشردته  السلطة المركزية في العاصمة عدن بعد الاستقلال . ومن أهم الاتحادات القبلية التي عرفتها حضرموت هي : ـ
(1) الزي : ـ وهو اتحاد عدة قبائل تحت قائد واحد . وهناك ثلاثة اتحادات من نوع الزي هي : ـ أ ـ سيبان ، ب ـ نوح ، جـ ـ الحموم .
(2) عصبة بني ظنة : ـ وهي من العصب القديمة بحضرموت التي استقرت في وادي المسيلة ورئاسة هذه العصبة لابن يماني بالوراثة ويسكن في قسم شرقي تريم .
(3) الاتحاد الشنفري : ـ  وهذا يختلف عن الزي في مسألة القيادة . فسلاطين آل عبدالله الكثيريين لا يرأسون الاتحاد الشنفري بالرغم من أن السلطة السياسية فيهم قبل سقوط السلطنة الكثيرية .
(4) يافع  : ـ هي وحدة عشائر حميرية تجتمع في قسمين رئيسين هما يافع العليا وعلى رأسها القعيطيون سلاطين معظم حضرموت . ويافع السفلى وعلى رأسها الكساديون . وقد لعبت يافع دوراً مهمّاً في حكم حضرموت .
د ـ المساكين : ـ
          يشكل المساكين في الهرم الاجتماعي الحضرمي فئة التمسكن وترجع أصولها إلى قبائل كندة وحضرموت القديمة[38] وقد تركت السلاح وتمسكنت خلال الحروب التناحرية خاصة بعد أن وفدت إلى حضرموت قبائل أقوى شكيمة منها وأكثر بداوة وعصبية فعلت عليها وتسلطت . ولم يعد المساكين في حاجة إلى عصبية نسبية مما أدى إلى وهن علاقات النسب فيما بينها واعتمدت على العمل المنتج والخضوع للقبائل المسلحة والتودد للسادة عن طريق الخدمة لهم في علاقة تبادل منافع هي التي عرفت بعلاقة الخادم بالطبين . ويشكل الحضر - ويشتغلون بالتجارة والحرف المهنية - مرتبة فوق فئة المساكين بينما يشكل الحجور والصبيان ويمارسون الزراعة على مصبات الوديان الساحلية مرتبة تحت فئة المساكين .
 وفي كل فئة عليا في الهرم الاجتماعي في الدور الصوفي تكون هناك فئة أعلى وفئة أدنى على النحو الآتي: ـ
1)  أ  : فوق فئة التعالــي : وهي المناصب ومنهم : أقطاب الصوفية .
ب : تحت فئة التعــالي : وهي المشائخ ومنهـــم : الفقــهاء .
2ـ  أ  : فوق فئة التسـلـط : وهي المقادمة ومنهـم : الســـلاطين .
ب : تحت فئة التسلــط : وهي البدو ومنهــم : عسكر الحكومة .
3ـ  أ  : فوق فئة التمسكن : وهي القرار ( الحضر) ومنهـم : المهـنيون
ب : تحت فئة التمسكن : وهي الحجور ومنهـــم : الأقنـــان  .
  أما عبيد السلاطين فهم فئة طارئة في المجتمع الحضرمي استجلبهم السلاطين لحراسة قصورهم وحصونهم في المدن . ولاقترابهم من موقع السلاطين لكونهم فوق فئة التسلط تمكنوا من اكتساب موقع اجتماعي استثنائي كقوة مسلحة داخل المدن ووظفها الأثرياء لحماية ممتلكاتهم أثناء الفتن ولم يسلم من تسلطها من لا حماية له . وقد حررهم أسيادهم وانتهى دورهم كقوة مسلحة بعد أن تكون للنظام الإنكلوسلاطيني جيش وشرطة واندمجوا في المجتمع الحضرمي .
   هذا وتشمل فئة المساكين كقوة عريضة من المنتجين والعاملين في المجتمع ـ: الفلاحين المرتبطين بالأرض ، والصيادين المرتبطين بالبحر ، والعمال القائمين بالأعمال الإنشائية والعمرانية عامة [39].
4) الصراع الفكري الاجتماعي في العصر الحديث :ـ
  قدم العلامة أحمد السوركتي الأنصاري السوداني الموطن والمقيم في مكة المكرمة والمدرس بالحرم المكي إلى جزيرة جاوا للتدريس و الدعوة وذلك عام 1329هـ  1910م .
          وتمر الأيام وتأتي حادثة زواج الفتى المسلم الهندي بالفتاة العلوية الحضرمية لتثير حفيظة العلويين وتدفع بالشيخ عمر بن سالم العطاس لإصدار فتوى حرّم بموجبها تزويج العلوية بغير العلوي وإن رضيت ورضي ولي أمرها . وكتب أحد الحضارم بسنقافورة إلى الشيخ العلامة محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار في مصر يستفتيه في المسألة المثارة حول الكفاءة في الزواج وصحة زواج العلوية بغير العلوي. فأفتى سماحته بصحة الزواج وقال : إن السادة الحضارم غالوا في أنسابهم وأحسابهم. وقد أدى بهم الغلو إلى ما جاء في فتوى السيد عمر بن سالم العطاس . وتابع العلامة محمد رشيد رضا - وهو العلوي - حديثه قائلاً  وجملة القول إن الشريعة الإسلامية شريعة عدل ومساواة لا شريعة تقسيم ومحاباة ، وأحكامها عامة . مدار العبادة فيها على تزكية النفس وتحليتها بالفضائل . ومدار المعاملات فيها على درء المفاسد والمضار ، وجلب المنافع ، وحفظ المصالح . وليس لأحد أن يخص الشرفاء أو غيرهم بأحكام شرعية تؤخذ بالتسليم على أنها من التعبد . قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري : لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث . انتهى كلام المفتي محمد رشيد رضا .
  هذا وكانت فتوى الشيخ السوركتي بمثابة المحك لأفكاره التجديدية والتي زجت به في أتون الصراع الفكري الاجتماعي الذي أفرز الحضرميين في المهجر إلى تكتلين : تجمع محافظ يتزعمه العلويون وتجمع تجديدي منفتح كان الشيخ السوركتي أحد مفكريه ويسمى أصحابه بالإرشاديين.
          وكانت الفتوى بصحة زواج العلوية بغير العلوي بمثابة الهزة العنيفة التي زلزلت أركان البنيان الاجتماعي الطبقي وعصفت بالامتيازات الاجتماعية التي اكتسبها العلويون في حضرموت منذ بدايات الدور الصوفي الذي اتسم بفكرة التشيع لأهل البيت . وهم أمام هذه العاصفة لا يرغبون في التنازل عنها على أساس أنها إرث لهم بل ومشروعة لهم إسلامياً كما يدعون . وجندوا كل إمكانتهم لوقف هذا التيار التجديدي الناشئ في صفوف غير العلويين من الحضارم أساساً . ولم يتورعوا في مماحكاتهم الإعلامية في اتهام الإرشاديين بالعمالة للإجنبي ، وبالموالاة للمبشرين المسيحيين ، وبالنصب والشعوبية والخروج عن دائرة أهل السنة والجماعة[40] . وبقراءة متأنية للنص الهجومي على الإرشاديين الذي نشرته جريدة " الإقبال " في عددها رقم (42) يدرك القارئ مدى ضحالة الحجة العلوية وسمو الفكر الإرشادي التنويري . يقول النص:"أولئك هم طائفة الدخلاء والمفسدين الذين أسكروا عقول العوام والسذج وأثملوهم بتعاليم الاشتراكية الإباحية ، حتى غرسوا في قلوبهم الحقد والعداء للطبقات العالية ، وملئوا صدورهم بالغيض عليهم . وسنوا لهم دستوراً لمغالطة وغمط الحسنات.وبثوا في أفئدة تلامذتهم وأتباعهم عقدة المساواة العمياء"[41].
  واستخدم العلويون نفوذهم وجاههم لدى شريف مكة بالحجاز لمنع الإرشاديين الحجاج من دخول مكة وأداء فريضة الحج كيلا تسري عدوى دائهم العضال ، وكيلا يتصلوا بأخوانهم من أهل البغي والضلال . هذا ما جاء في نص العريضة التي وقع عليها عشرون علوياً ، ورفعت على شكل رسالة إلى شريف مكة . ومما جاء في هذه الرسالة التي نشرتها جريدة " القبلة " في شهر الحجة عام 1338هـ : ( فإن شيعتكم ومحبيكم من العلويين وأنصارهم يقدمون لكم وافر التهنئة بالعيد المجيد ، وبما تم من الإصلاح في عهدكم السعيد . وينهون إلى مقامكم السامي أنه ظهر من مدة قريبة جماعة من الخوارج في هذه البلاد عقيدتها بغض أهل البيت الطاهر وتحقير النبي صلى الله عليه وسلم ، وبث الدسائس وإيقاد الفتن[42] 00"  0      
  هذا الصراع الفكري المتأجج بين الحضارم في المهجر قد قدح العقول وأثرى العلوم والآداب خاصة مؤلفات العلامة علوي بن طاهر الحداد ومقالاته وخطبه التي نشرتها مجلة  " الرابطة " وكذا بالمقابل مؤلفات الأستاذ الأديب صلاح عبد القادر البكري خاصة كتابه تاريخ حضرموت السياسي وكتابه تاريخ الإرشاد في إندونيسيا . ومؤلفات الأستاذ الأديب والمؤرخ سعيد عوض باوزير . وشهدت حضرموت جيلاً مثقفاً ومؤهلاً من المعلمين والقضاة والأدباء والإداريين وغيرهم الذين كانوا أداة الإصلاح والتطور في حضرموت بعد قرون من الجهل والتخلف والجمود والفتن عاشها الحضرميون خلال الدور الصوفي[43] .
 وكانت فتاوى الـعلامة أبي بكر بن أحمد الخطيب  بداية لفقه متحرر. فقد اخترق حاجز الكفاءة الزوجية القائم على النسب وأفتى بأن للعوامل المعيشية والمستوى الاجتماعي الدور الأكبر في تحديد الكفاءة الزوجية وليس النسب ككفاءة ذاتية . ولم تدون هذه الفتوى في كتابه ( الفتاوى النافعة في مسائل الأحوال الواقعة) التي جمعها تلميذه الشيخ سالم بن حفيظ. وقبل الشيخ أبي بكر الخطيب وضع القاضي طه بن عمر الصافي السقاف كتابه " المجموع لمهمات المسائل من الفروع " الذي أورد فيه العديد من المسائل الفقهية والفتاوى الشرعية . وفيه ذكر أن العلامة علي بن عبد الرحمن قال : ومن أراد الوقوف على أصول المذهب خصوصاً في الأنكحة تعب وأتعب . ومن تتبع الفتاوى في ذلك يجد المخلص إن شاء الله.  فإن مذهب مالك أن الكفاءة لا تعتبر إلاّ في الدين أي الإسلام فقط . وقد عمل به بعض مشائخنا لمصلحة اقتضت ذلك أو خوف مفسدة .
   وقد أسقط كثير من فقهاء حضرموت شرط النسب في الكفاءة الزوجية: فعقد الفقيه سليمان باحويرث - وهو نائب الخريبة بدوعن - بامرأة ولي أمرها كان غائباً . ولما قدم الولي اعترض على عقد الزواج بحجة أن الزوج غير كفوء لها . ورفع الأمر إلى قاضي الشحر عبدالله باعمر الذي أقر عقد الزواج . وبالمثل زوج الفقيه أحمد بن حنبل بنت الخطيب على معصر من عبيد آل يماني بغير إذن ولي أمرها وهو حاضر في تريم . وزوج الشيخ  يوسف بن عابد شريفة من تريم وليها غائب على باحنان . وزوج الشيخ حسين بافقيه بنت بافضل في تريم على الخادم عبد الرحمن باصفط وأبوهـا غائب . وجاء في نفس المصدر أن العلامة أبابكر العيدروس العدني ذكر أنه إن خرج إلى تريم سيزوج الشرائف بآل بافضل والقرار المستوين 0  ويكون العيدروس برأيه هذا أول صوفي علوي حضرمي يسقط شرط النسب في الكفاءة الزوجية آخذاً بمذهب الإمام مالك ومعلناً مبدأ المساواة بين الحضرميين وهم عرب مسلمون .  ويبدو من هذه الحالات أن الآباء هم حجر عثرة أمام تزويج بناتهم وإنقاذهن من سجن العنوسة وذلك تعصباً منهم[44].
























الأسس التي قام عليها النظام الطبقي في حضرموت :
1) نظرية الاصطفاء :
   يعتبر كتاب: " القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل " لمؤلفه علوي بن طاهر الحداد الدليل النظري للنظرية العنصرية الاستعلائية وللأفكار الشيعية المرتهن لها الفكر الصوفي الحضرمي . وحسبنا هنا أن نورد بعض الآراء والأفكار التي اجتهد العلامة صاحب القول الفصل في تجميعها وعرضها وتوظيفها لدعم العنصرية الاستعلائية والمأخوذة من معطيات علوم الوراثة والبيئة والتربية.
  تطرح العنصرية الاستعلائية مبدأ أساسياً هو أن ذرية سبطي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل البشر جميعاً وصولاً إلى القول بان العلويين الحضرميين هم أفضل من بقية الحضارم مهما تعلموا وتعبدوا وثروا لأن فضلهم جوهري وذاتي وغير مكتسب . ويعول صاحب القول الفصل على الوراثة في نقل الصفات التي ترتبط بالأجناس والأعراق .ويرى انه لا يمكن أن يرتقي أي إنسان من عنصر أدنى إلى عنصر أرقى ، لأن الدم الذي يجري في جسمه غير دم من هو أرقى منه   هذه المعلومة غير علمية وساذجة جداً  ، ويعطي لذلك أمثلة على مستوى الإنسان والحيوان والنبات للتدليل على وجود الاصطفاء والتفاضل النوعي في كلٍ منها . فالناس عنده يتفاوتون ، والجياد تتمايز ، والنخل يتفاضل . ولكي ينفي المؤلف المساواة بين الناس يتجاهل أن أصلهم واحد وتكوينهم واحد ودماءهم واحدة ويذهب إلى القول إن البشر أجناس وأعراق فيها الطيب وفيها الخبيث ومنها الشريف ومنها الدني ذاتياً . فالإنسان الزنجي في نظره دنئ بطبعه يتصف بالرعونة والطيش . وقد ورث ذلك من أسلافه فهو بهذا يختلف عن الإنسان الأصيل " السوبر " الذي يتصف بالطباع الكريمة التي ورثها عن أجداده.  وهكذا في اعتقاده يولد الوضيع وضيعاً والسيد سيداً ولا علاقة للتربية والبيئة في ذلك. 
  ويقول المؤلف إن الدماء التي تجري في عروق البشر ليست واحدة فالتي تجـــــري في عروق السلالات الراقية غير تلك التي تجري في عروق السلالات الدنيئة . فالمؤلف هنا يكرر بغباء أسطورة الدماء الزرقاء التي كان ملوك ونبلاء أوربا  يتبجحون بها . وهو يصر على أن الزنوج صنف منحط لا يقبل الترقي منطلقاً من نفس النظرة العنصرية المتعالية التي عامل بها المستعمرون الأوربيون العنصريون سكان أمريكا وأفريقيا . ويستدل صاحب القول الفصل في تحقيره للزنوج بتركيب قحف رأس الزنجي ويقول إنه عند نموه يلتئم قبل تمامه وقبل أوانه وإن ذلك يبدو واضحاً في رسمه.  وعند مقارنته بين الزنجي والعربي يقول أن الفرق واضح في اللون والصورة حتى في العقل والغريزة والبيان وفي سائر مقومات الإنسانية . فهي في العربي أوضح وأغزر وأقوى مادة وأوسع مجالاً وأعلى مثالاً وألطف وأشرف ، هذا ويكذب الواقع الإسلامي هذه الترهات . ففي حديث جرى بين الزهري والخليفة الأموي عبدالملك بن مروان كما نقل ذلك صاحب النور السافر  ذكر الزهري عدداً من عظماء الإسلام في أنحاء العالم الإسلامي في وقته كلهم من الموالي والعجم إلا عربياً واحداً هو إبراهيم النخعي مما أثلج صدر عبدالملك بذكره فقال : ويلك يا زهري فرجت عني ، فو الله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر ، وأن العرب تحتها . قال قلت:  يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه فمن حفظه ساد ، ومن ضيعه سقط  . ويورد أيضاً صاحب النور السافر نموذجاً رائعاً لأصحاب الفضل الحقيقي هو الإمام العالم العابد المجاهد عبدالله بن المبارك . فقد كان والده عبداً هندياً لقاضي ورئيس " مرو" . وعندما جرب هذا القاضي أمانة وذكاء هذا الغلام الهندي زوجه ابنته ذات الحسن والجمال بالرغم من أن جماعة من الأعيان والأكابر قد طلب خطبتها . فولدت له عبدالله بن المبارك المشهور بالعلم والورع والذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً.
  ويلجأ صاحب القول الفصل في تخريجاته العنصرية الاستعلائية إلى علم الوراثة 0
ويزعم أن صفات الشرف من الصفات المقهورة وصفات الخسة من الصفات القاهرة . فالشعب الدني لا يزكو بمصاهرة الشعب الشريف ، في حين  يهبط الشعب الشريف بمصاهرة الشعب الدني . وتختفي في أجياله الصفات الحميدة وتهيمن عليهم الصفات الدنيئة 0 ويبدو أن سمو مفتي جهور بإندونيسيا صاحب القول الفصل ومنظر العنصرية الاستعلائية قد أذهلته نتائج النكاح بين العربي الأصيل والدنيئات في نظره وتخريجاته من الجاويات والهنديات والأفريقيات فجاء الأبناء المولدون بألوانهم وسحناتهم وتقاطيعهم الجاوية والهندية والأفريقية التي لا تروق له لأنه علوي شريف أصيل .
  هذا ومن منطق النظرية العنصرية الاستعلائية لا يقر صاحب القول الفصل بالمساواة الطبيعية بين البشر لأنها كما يقول توقظ الفتنة بين الناس ، وتخلق التناقض بين العقل والدين في حين هو نفسه بإصراره هذا قد أيقظ الفتنة بين الحضارم وزعم التناقض بين العقل والدين . ويفترض المؤلف كما أشرنا وجود سلالات بشرية راقية وعريقة وأخرى دنيا ووضيعة .لا يمكن أن ترتقي الثانية إلى الأولى ولا أن تفضل عليها . والتفاضل عنده وضده النقص ثلاث مراتب : ــ
1ـ فضل من حيث الجنس : وهو جوهري ولا سبيل للناقص إلى اكتسابه كفضل العرب على العجم ويستشهد بقولة منسوبة للصحابي الجليل سلمان الفارسي يقول فيها " فضلتمونا معاشر العرب باثنتين لا ننكح نساءكم ولا نؤمكم في صلاتكم "[45] ولسخف هذه الحجة ومناقضتها لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : (( سلمان منا أهل البيت )) لا تحتاج إلى تعليق .
2ـ فضل من حيث الذات : وهو جوهري ولا سبيل للناقص إلى اكتسابه أو بلوغه كفضل أهل البيت على بني هاشم . وهو بهذا يعلن بأن فضل أهل البيت فضل ذاتي وجنسي فلا سبيل للحضرميين كعرب ولا للجاويين كعجم إلى اكتسابه وهذا هو لب النظرية الببغاوية الاستعلائية .
3ـ فضل عرضي : ويمكن اكتسابه كفضل الأغنياء على الفقراء إذ يمكن لكل الناس اكتساب المال .
  وككل النظريات العنصرية التي لا تقر المساواة الطبيعية بين كل البشر يطرح مفتي جهور أفكاره وتخريجاته التي نستخلص منها النتائج الآتية : ـ
1ـ تفضيل أهل البيت على غيرهم من الناس فضلاً ذاتياً وجوهرياً وهم يشكلون سلالة عريقة راقية لا سبيل لغيرهم إلى الارتقاء إليها ولوكان عربياً صحابياً من شهداء بدر . فلا يصح أن يكافئ رجل من خارجها أية امرأة في داخلها للزواج منها مادامت الكفاءة الزوجية تعني المساواة . والمساواة غير واردة هنا .
2ـ محاكاة النظرية الداروينية فيما تطرح حول أصل الإنسان والتي ترى أن الإنسان قد تطور من سلالة القرود . وان الزنوج في جماجمهم يشابهون أسلافهم الذين اكتشفت هياكلهم كإنسان جاوا وغيره والذي اعتبرته النظرية الداروينية حلقة الوصل بين الإنسان القديم والإنسان الحديث .
3ـ التقليل من شأن البيئة ودور التربية والتعليم في اكتساب الصفات الجسمية والعقلية والخلقية وفي تنمية المدارك وتقويم السلوك . فهو يرى مثلاً أن الأذكياء ينجبون أذكياء وينجب البُلداء أبناء بُلداء أمثالهم . وهو يعلم تماماً انه لا يوجد فرز في العالم كله لسلالات أو حتى لعوائل تختص بالذكاء وأخرى بالبلادة وان الأب الذكي يمكن أن ينجب ولداً بليداً  وهو ينكر أو يتجاهل كثيراً من الحقائق التي توصلت إليها البحوث التربوية والاجتماعية التي تؤكد تأثير ودور التربية والبيئة في تحديد السلوك الإنساني للأطفال أكثر مما تحدده عوامل الوراثة .
4ـ إن الخوارج والنواصب والشعوبيين فرق مبتدعة ضالة لأنها تطرح أفكارها على أساس المساواة بين الناس ولا تقر المفاضلة بين العرب والعجم ولا بين أهل البيت وغيرهم من المسلمين.
5 ـ عدم التطرق إلى فرقة الروافض وهي من أضل الفرق المبتدعة لأنها توافق هواه في التشيع المتطرف لأهل البيت[46]  .
2) النسب ودوره في العلاقات الاجتماعية : ـ
  لعب النسب دوراً مميزاً في تكريس المجتمع الطبقي وفي فرز السكان في حضرموت حسب أنسابهم أو بالأحرى تثبيت أنساب السكان حسب مواقعهم الاجتماعية على أساس أن النسب المناسب لصاحب الموقع الملائم . وفي الهرم الاجتماعي الطبقي في حضرموت يعزز النسب مواقع الفئات الاجتماعية ويحدد مكانتها الاجتماعية و طبيعة العلاقات التي تنشأ بينها داخلياً أو خارجياً كما نعرض ذلك في الآتي : ـ
أ ـ السادة : 
  ينتسب السادة في حضرموت إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وقد اكتسب السادة بهذا النسب الشريف الذي يقربهم للرسول محمد صلى الله عليه وسلم الموقع الأعلى في المجتمع الحضرمي وتعزز هذا الموقع الذي يحتل رأس الهرم الاجتماعي بعاملين هما : العلم والمال .
ب ـ المشائخ :
  هم الفقهاء وأصحاب القيادة الدينية في حضرموت من أهل السنة قبل أن ينتزعها منهم السادة . وبعد أن دخل السادة مدينة تريم وحلوا فيها اعترف المشائخ بنسب السادة وقبّلوا أيديهم وتنازلوا لهم عن لقب سيد. وقد عزز المشائخ مكانتهم الاجتماعية برفع انتسابهم إلى بعض الصـــــحابة  كأبي بكر الصديق ، وعباد بن بشر ، وعقيل بن أبي طالب وغيرهم 0 

جـ ـ القبائل : 
تحتل القبائل موقع الفئة الرئيسة الثانية في الهرم الاجتماعي الحضرمي وترتبط في داخلها بوشائج النسب ، وتحتفظ فيما بينها بروابط الحلف والاتحاد . ويشكل البدو معظم أفراد هذه الفئة حيث يحتلون مرتبة تحت فئة التسلط في حين يحتل السلاطين مرتبة فوق فئة التسلط  .
د ـ المساكين[47]  0
  وقد تعرض الهرم الاجتماعي الحضرمي لهزات صدعت بنيانه نتيجة انتشار التعليم وتحسن الظروف المعيشية للسكان . ولكن كانت أشدها وطأة تلك التي أحدثها النظام الاشتراكي العلمي الذي ورث النظام الإنكلوسلاطيني بعد الاستقلال فخرب البناء الاجتماعي تركيباً وعلاقات بالعنف الوحشي فجمد دور المناصب و ألغى وجود السلاطين وسلح الفلاحين والعمال والصيادين وخلق منهم قوة مسلحة هي المليشيا أنهوا بها مفعول القبولة تحت حماية النظام الثوري و استبدلوا نظام الحوف بلجان الدفاع الشعبي العين الرقيبة بين أوساط المجتمع الذي أنهار طبقياً  وإذا كان قد نجح النظام الاشتراكي  في هدم البناء الاجتماعي الطبقي فانه لم ينجح في إقامة بناء جديد قائم على العدل والتراحم والاحترام بين الناس وإنما استبدل سخرة بشرية  بأبشع منها تحافظ على مصالحه وتحقق امتيازاته في ظل أمن واستقرار صوريين ظاهريين لأن الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي لم يتحققا بعد حتى الآن في حضرموت بل وفي اليمن كلها[48]  .
3)السخرة البشرية : -
  تبادل الخدمات والمنافع بين الناس في جو من الحرية والاحترام والعدل ضرورة اجتماعية لا تستقيم وتزدهر حياة المجتمع بدونها وتبلغ هذه الخدمات مستوى عالياً من الإنسانية حينما تؤدى بإتقان وإخلاص وتعبداً لله تعالى واهب النعم كلها ومسخر الكون كله لصالح الإنسان . وتأخذ السخرة الاجتماعية حينها مفهومها الرباني قال الله تعالى :{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمةُُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }[ الزخرف : 32 ]. وتنحرف السخرة الاجتماعية عن خطها المستقيم ومدارها الرباني إذا ما أخذت شكل الاضطهاد الاجتماعي وفقدت مفهومها الإنساني كما مارسها الملأ الأعلى في العصور القديمة في المجتمعات الفرعونية المصرية واليونانية والرومانية والفارسية والهندوسية والوثنية بشكل عام وكما مارسها العنصريون في العصور الحديثة . وتبقى دائماً عبر العصور الإنسانية منذ أن خلق الله آدم وعلّمه الأسماء كلها الرسالات الربانية هي المنقذ من السخرة البشرية ويكاد كل الأنبياء والرسل قد كذبهم وصدهم وحاربهم ممارسو السخرة البشرية من إذلال وعبودية واضطهاد وتعالٍ على البشر .
   وتأخذ السخرة البشرية ألواناً متعددة وتنطوي كلها تحت لواء الإذلال والاستغلال والجبروت . وتشتد وطأة السخرة البشرية في ظل الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية وفي حالات الفوضى الاجتماعية. وقد شهدت حضرموت أنواعاً من الاضطهاد الاجتماعي والسخرة البشرية فقد ذكر المؤرخون الحضارم أن مـعن بن زائــدة القائد العباسي في غزوه الكاسح لليمن وحضرموت سنة 140هـ قد أباح حضرموت وخرب ديارها ومنابع مياهها وأذل أهلها وألبسهم السواد والزم نساءها لبس الثياب ذات الذيول الساحبة على الأرض مع كشف جزء من الساق في الأمام . وفي عام 1972م شهدت حضرموت طغياناً اجتماعياً أشد وطأة مما فعله معن بن زائدة فصادر النظام الاشتراكي العلمي الذي حكم جنوب اليمن الممتلكات وأمَّم الأرض والعقار وانتهك الحرمات وأبدل سخرة بشرية بأخرى أظلم منها وأقسى وأعتى وأجهل فسحل وسجن وأذلّ عليي المجتمع من علماء وقبائل وقيادات عمالية شريفة. وهناك لون ثالث للسخرة البشرية التي عرفتها حضرموت فهي قد بدأت بجبروت السلاح ثم انتقلت بقوة المال واستقرت بحكم التقاليد وضحيتها الإنسان الضعيف0 
  يروى لنا هذا النموذج من السخرة البشرية الأستاذ محمد احمد الشاطري: خلال سنوات الفوضى القبلية التي ضربت أطنابها جميع حضرموت وقبل أن تفرض هدنة القبائل التي عرفت بهدنة إنجرامس . لا يكتفي القبيلي المسلح بالنهب والسلب وقطع الطرق . بل يعمل البعض منهم على خطف الضعفاء والمساكين وبيعهم على الأثرياء في حضرموت وخارجها . وكان الثري الكبير ( 000الشاطري) قد اشترى أربعة رجال من المستضعفين المسترقين بحكم الخطف ـ شراء صورياً ـ بوثائق بيع من القبيلي المختطف بعد أن ينقد الشاطري للقبيلي الثمن . ويطلق الشاطري الرجل المختطف ويكون بذلك قد خلصه من الرق القبلي 0 ويقول الشاطري وكان هؤلاء الأربعة ونسلهم يشعرون بالفضل لأهلنا لأنهم أنقذوهم من أولئك الظلمة ويقولون لآل الشاطري نحن أخدامكم اعترافاً  بجميلهم عليهم .
  وفي ضوء الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي عاشته حضرموت خلال تلك الفترة يتبين لنا كيف تمارس مختلف ألوان السخرة البشرية في وضع أمني مضطرب يتمثل فيه قول الشاعر :
   والظلم من شيم النفوس        ومن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
  إن المختطفين المستضعفين قد تحولوا من ربقة العبودية المؤقتة إلى ربقة المخدومية الدائمة المتوارثة جيلاً بعد جيل . فالقبلي الضعيف في ماله ودينه ليس في حاجة إلى عبد يصرف عليه وإنما كان هدفه المال وقد حصل عليه ممن يملك المال . وكسب المشتري خادماً مطيعاً هو وما أنسل .  
  ومن أمثلة العبودية المؤقتة إلى المخدومية الوراثية ما نجده أيضاً عند آل الخطيب كما يروي ذلك صاحب " برد النعيم " عن بعض أخدامهم وسبب خدمتهم  هو أن جدتهم القديمة كانت جارية للخطباء من الزمن القديم وكان أحفادها يحملون نعال آل الخطيب في الأعراس ، وقلدة[49] بيت أهل العروس .
ولا تقتصر هذه النماذج من المخدومية الوراثية على المسفلة من حضرموت بل نجد ما يماثلها في (علوا ) (ودوعن ) من حضرموت خلال الدور الصوفي[50]  .
4) نظام الحوف[51] : - 
  الحوف جمع حافة وهي نظام لتجمع سكاني صغير داخل المدن ويشمل حيا من أحيائها يطلق عليه الحارة . فالحافة إذن نظام مدني لأداء مهام اجتماعية مجانية تحت قيادة رجل كفء من أبناء الحي يدعى ( اللبو)" أبو الحافة " يتمتع بصلاحيات مطلقة في إطار حافته ، يعبر عنها بأن " أمره مطاع وحبله مشدود " ومن صلاحيته تحريج ابن الحي المحسوب من العاملين في خدمة الحي إن هو رفض الخدمة . والتحريج يعني الإيقاف عن العمل وهو دخل رزقه . ويقرب أبو الحافة في المدن من الشيخ أو المقدم في المناطق القبلية . و( للحوف ) تاريخ في الخدمة المجانية لسكان المدن من إطفاء حريق وإنقاذ غريق وخدمة في الأفراح والأتراح.
  تأسس نظام الحوف في حضرموت منذ عهد بعيد وأهم ما يميز نظام الـحوف في حضـرموت أنه أسـس على أسـاس طبــــقي اقتصادي تتولى فيه الطبقة العاملة خدمة الطبقة الثرية والقيام بالأعمال اليدوية العامة والمشتركة التي تأنف منها الطبقة العلوية في المجتمع .   
  لكل حافة حدود وهمية لجارتها . وواجب رجال الحافة حماية هذه الحدود من أن يجتازها رجال الحافة الأخرى في واجباتهم الحافية ، مما يعني بسط نفوذ حافة داخل حدود حافة أخرى . وكم من مشاحنات ومشاكسات ولكم وطعن يفتعل على هذه الحدود بين سكان المدينة الواحدة التي كثيراً ما يدفع بها النظام الانكلوسلاطيني وحلفاؤه           ( الطبانة) 0
  وحاول عقلاء حافة عيديد والخليف التخلص من هذا النظام الظالم     " فكان أول خطوة اتخذوها إلغاء الحدود الوهمية بين الحوف والتخلي النهائي عن الدفاع عنها . وبذلك تمكنوا من دق أول مسمار في نظام الحوف الطبقي .
  وكانت الخطوة الثانية لرجال الحافة رفضهم خدمة الطبانة. فأحس أصحاب القصور المترفون أن الأرض تهتز من تحت أقدامهم الناعمة. وكان أحد الطبانة مقبلا على زواج ابنته فاستدعى رجال حافة عيديد والخليف وكان في نفس الحارة وطلب منهم الرجوع عن قرارهم في التخلي عن خدمة الطبانة بعد أن قدّم لهم عشاء شهيا وقدّم لهم الشاي فطلبوا منه التشاور فيما بينهم في جانب من قصره. فسمح لهم واتفقوا على الثبات في الرأي والوقوف صفاً واحداً ورفض طلب الطبين وغادروا القصر .   
  أمام رفض رجال الحافة العودة إلى خدمة الطبانة لجأ الطبين إلى حليفته السلطة الانكلوسلاطينية التي وقفت معه وقامت باعتقال بعض رجال الحافة, ونقلوا تحت حراسة الشرطة من تريم إلى سيؤن عاصمة السلطنة الكثيرية آنذاك 0
 تحرك الطبانة وظلوا على اتصال مستمر مع السلطة التي تعاونت معهم في إحداث ثغرة في صفوف رجال الحافة بالتأثير على السذج منهم والذين لم يتعودوا على الوقوف في وجه الظالمين . فطلب من هؤلاء تحت الترغيب والتهديد التوقيع على رسالة بالموافقة على العودة إلى عاداتهم في خدمة الطبانة[52]  . 
5- الفكر الشيعي الحضرمي ودوره في ترسيخ الطبقية :ـ
يعود الخط الشيعي في الفكر الصوفي الحضرمي الى عاملين هما :ـ
(أ)وجود قواسم مشتركة أساساً بين الفكرين الشيعي العام والصوفي العام . فيتلاقى التصوف والتشيع في الغلو في تقديس أهل البيت[53] 0
(ب) زعامة السادة العلويين لحركة التصوف الحضرمي وهم كما رأينا يحملون فكراً شيعياً إمامياً تناقلوه منذ أن قدم الإمام المهاجر إلى حضرموت وهو إمامي علوي .
 والأدب الصوفي العلوي مشبع بروح التشيع لأهل البيت . ويتجلى ذلك في كثير من مواقف العلويين كما رصدت تجاه معارضيهم من المفكرين الحضرميين الإصلاحيين . ويعتبر اعتراف المشائخ من فقهاء وعلماء حضرموت عامة وتريم خاصة بنسب العلويين وتقديمهم على أنفسهم بصفتهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نقطة تحول مهمة في دعم الخط الشيعي وحركة التشيع التي يقودها العلويون في حضرموت . وها هو صاحب الشامل بعد أن فرغ من مهاجمة المستنيرين والإصلاحيين من أهل دوعن ووصمهم بأنهم نواصب يتحدث عن تشيع المحبين للعلويين من أهل دوعن فيقول :" ومنهم الفقيه الصالح محب السادة المغالي في محبتهم الباذل ماله وحاله في خدمتهم ، اللطيف النظيف العفيف الفقيه الورع المتقشف عبدالله بن عبدالرحمن باطويل  ساكن صبيخ بوادي ليسر . كان هذا الفقيه رجلاً عاقلاً عالماً عاملاً عارفاً بالله محباً للسادة آل باعلوي ومقصداً لهم ينزلون بيته ويكرمهم غاية الإكرام ويقوم بخدمتهم أتم القيام . ومن جملة محبته لهم يقول : لو أراد واحد من آل باعلوي أن  يسودني ويبيعني امتثلت له وذلك عن صدق منه . "
 هذا وفي الوقت الذي يشيد صاحب الشامل بهذا الموقف الخدمي والخنوعي ممن  وصفهم بالمحبين للسادة فهو لا يتورع في التنديد بمن ينادي بالأخوة والمساواة بين جميع الحضارم فيتهمهم بأنهم ( من بقايا الإباضية الذين أبادهم الله  وأذلهم، وأنهم لا يعرف لهم نسب ولا حسب ، وكانت منازلهم من نواحي سدبة ومنوب وفي قرى دوعن والحيق فذهب ذلك كله.) 0
ويصف الأستاذ السقاف مؤلف تاريخ الشعراء الحضرميين الشيخ علي بن عمر بن قاضي باكثير الكندي المولود بمدينة تريس عام 1174هـ بأنه شيعي ويقول عنه :" عاش في حياته الدينية على الطريقة العلوية كما تبدوا عليه الصبغة في محبته للسادة العلويين قائمة كشيعي من شيعتهم المغالين في تشيعهم" 0
  وفرض الأدب الصوفي الحضرمي ذو النزعة الشيعية صيغاً معينة في التخاطب.  فالعلوي يصف غيره بالمحب ، وينادي غير العلوي العلوي بالحبيب فالعلاقة (الحبيب - المحب ) هي صفة مميزة في الفكر الصوفي الحضرمي . وفي الوقت الذي يوصف فيه غير العلوي بالخادم ، والمحب ، ومقبل الأعتاب والأقدام ، يوصف العلوي بأعظم الصفات والألقاب . وها هو صاحب الشامل المعروف بتحقيره لغير العلويين خاصة رجال حركة التنوير الذين نبهوا الى زيف الأفكار الاستعلائية يرصُّ مجموعة من الفاظ التعظيم والتفخيم عندما يتحدث عن طه بن عمر الحداد فيقول " طلب مني السيد الشريف العالي المنيف الحبيب النسيب العالم العلم الأجل الفطن الذكي الأفضل الحبيب اللبيب العاقل العامل لله على بصيرة ، نسل الكرام ونجل لباب أهل دائرة الإسلام آل أبي علوي صنو مولانا وحبيبنا وشيخنا وكبيرنا وذخرنا ووسيلتنا الى ربنا شيخ الشيوخ محيي الدين وبركة المسلمين منعش سنـة سيد المرسلـين القـطب الـغوث الحبيب عبدالله بن علوي الحداد باعلوي نفع الله به وبهم وسلفهم وخلفهم آمين : أن أجمع له شيئاً مما سمعت " .     
   وبالمقابل يتضاءل المحب ناصر بن يسلم بن ناصر أمام حبيبه العلوي عبدالرحمن الجنيد فيقول له في رسالة كتبها له متأثراً بأسلوب كتابة الرسائل في العهد العثماني : " أسعد الله مقام حبيبي وسيدي ومولاي وقدوتي ووسيلتي إلى الله الإمام الـبركة سيدي عبدالرحمن بن الحبيب جنيد بن عمر الجنيد ....
  بعد تقديم عاطر التحية السنية ومزيد التكريم والاحترام ، أرفع لحضرة شريف غالي جنابكم المنيف ، هذه الكلمات الملفقة بقصد التوسل والاستغاثة ....
 وفي الختام أقبل ثرى أقدامكم مستمداً صلاح القصد وحصول المرام
المستغيث بشريف مـقامكم مقبل تراب أقدامكم ، محسوبكم أقل الورى وأحقر العباد .                                                                     
                                                ناصر بن يسلم بن ناصر
وقد تضمنت رسالة ناصر هذه شعراً ركيكاً يقول فيه :ـ
 يـــــا    سيـــــــــــدي عــــبـــدكـــم ذل     
                  في ذى الجهة وأنتمو أعلم بما في الضمائر
 يــــــا   منـــــــقذي غـثني فـإني مكبــــل      
                      بأغـلال وزري فأحمال المــعاصي ثقال
 ضاقت عسى فرج عاجل بعد العقد ينحل    
                       غوثاه دركاه غارة لي تحــــل العــقـال
  ويدور أدب المنامات والكرامات لدى صوفية أهل حضرموت فيما يتعلق بأهل البيت حول فكرة : هداية من يحب أهل البيت وضلال من يبغضهم . وكيف يحوز المحبون في أحلامهم المنامية برضا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويتعرض المبغضون لأهل البيت في رؤياهم المنامية لإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وغضبه عليهم . وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلياً وفاطمة يسهرون على حماية ذريتهم . وقد سرد صاحب الغرر كثيراً من قصص المنامات والكرامات في هذا الجانب نذكر منها  :ـ
(1) يحكى أن فقيهاً غضب على أحد أشراف مكة لأنه يشرب الخمر عند زمزم فثار عليه الفقيه وشتمه على فعله . فلما نام الفقيه تلك الليلة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وفخذه مكشوفة وهو مُعرض عنه . فأراد الفقيه أن يغطي فخذه صلى الله عليه وسلم . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم  أتغطيها وما كشفها إلا أنت . فقال الفقيه يا رسول الله بأي سبب . فقال صلى الله عليه وسلم شتمك لفلان إذا لم تدعه لنفسه دعه لنا .
(2) يحكى عن تاجر يمني أنه سافر بماله إلى مكة فأخذ العشور المعتاد حسن بن عجلان شريف مكة . فتكلم التاجر على الشريف ونسب إليه الظلم وعدم الخوف من الله  تعالى . فرأى هذا التاجر اليمني في إحدى الليالي رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضاً عنه وقال له : ارض ابنتي فاطمة وكانت بجانبه فتوجه إليها وقال لها ما ذنبي ؟ فقالت ابن عجلان حيث شتمته ووبخته !!
  إن نشر هذا النوع من أدب المنامات في إطار الفكر الصوفي الحضرمي يعكس تشويهاً وتشويشاً في عقيدة المسلم ويسئ إلى مقام الرسول صلى الله عليه وسلم وعترته الكريمة المؤمنة . كيف يقبل ذو عقيدة إيمانية صحيحة و ذو عقل سليم أن يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم  من أنكر منكراً رآه في أحد أفراد ذريته من سكر وظلم ؟! وكيف يقبل المسلمون الصادقون دفاع نبيهم عن مثل هؤلاء الفسدة وهو القائل لابنته فاطمة وعمه العباس اشتروا أنفسكم من النار فإنني لا اُغني عنكم من الله شيئا . إنها لتربية خطيرة وفكر يعمق المحسوبية والتعصب الطبقي والتمايز الاجتماعي . إنها دعوة لمصادرة الأفكار وحماية للطبقات الاجتماعية المتميزة . إنها تربية تهدف إلى أن يكون وضع المربي بجانب حبايبه كوضع الشيخ فضل بن عبدالله بافضل حين قال :     " ما أرى نفسي مع أهل البيت إلاّ كالعبد المملوك لمولاه " . وقد علق صاحب الغرر على ما قاله بافضل عن نفسه : " انه لا يقول ذلك إلاّ عن تحقق شرعي لكونه شديد الارتباط والتمسك بالشريعة ظاهراً وباطناً، وعظم تفرسه الإيماني وضبطه العرفاني ." . وكأن صاحب الغرر يريد أن يقول : أن مقولة بافضل هذه بمثابة فتوى شرعية من فقيه وفراسة نورانية من ولي وحكم دقيق من عارف[54]
6- الكفاءة في الزواج القائمة على النسب والنظام الطبقي في حضرموت[55] 0

المعالجات للمشكلة الطبقية في حضرموت :
1) نشر العقيدة الصحيحة :
  لا يستطيع الإنسان أن يكون حراً إلا إذا كان عبداً مخلصاً لله وحده . كمـا لا يستطيع التخلص من ممارسة الاستعباد إلا إذا كان عبداً مخلصاً لله وحده . ولو كان فرعون عبداً مخلصاً لله لما قال لقومه أنا ربكم الأعلى ولما عبَّد بني إسرائيل[56] .
2)نشر العلم والثقافة السليمة من لوثات الفكر العنصري : لقد انهار الهرم الاجتماعي الطبقي[57] وتقاربت بل وتمازجت فئاته الاجتماعية وبرزت في المجتمع الحضرمي قيادات علمية واقتصادية وسياسية لم يعد يؤبه من أية فئة أتت أو مـن أي نسب انحدرت كل ذلك بفضل التربية والتعليم لا بفضل الأصل والنسب وعاد المجتمع الحضرمي كما خلقه الله أصلاً واحداً وتكويناً واحداً فتساوى الناس وانهارت الحواجز الاجتماعية بينهم . ومن يفكر اليوم بغير ذلك فهو حالم تائه ضائع . وأبلغ مثال على كسر الحواجز الاجتماعية والنسبية بين فئات المجتمع الثلاث هو الزواج الحر المتبادل بينها الذي اخذ يجري في كيان المجتمع, فتزوج ابن فئة التسلط على ابنة فئة التعالي كما تزوج ابن فئة التمسكن على ابنة فئة التسلط والتعالي في حين كان لا يكافئ ابن المرتبة الأدنى ابنة المرتبة الأعلى داخل الفئة نفسها[58]  . 
3) تصحيح مفهوم  الاصطفاء في الإسلام : ـ
  تختص العقيدة الإسلامية بأنها للناس كافة وبأن المسلمين إخوة . والأخوة الإسلامية أرقى وأمتن الروابط بين البشر أفراداً ، وجماعاتٍ ، وشعوباً ، وأمماً . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ)  وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )  وقد غرس الإسلام بالتعليم والوعظ والإرشاد ( لا بالوراثة ) أرقى الصفات الإنسانية في نفوس المؤمنين قال الله تعالى :  ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)    الخ [ المؤمنون : 1ــ 4] فالاصطفاء في الإسلام اصطفاء أداء لا اصطفاء نسب . و الفضل فضل عمل لا فضل وراثة ، قال الله تعــــالى :  ( وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  [ هود 45 ـ 46] وإن فضل العرب قد قرره الإسلام على أنه فضل صفات وأعمال وأخلاق دون نزعة عنصرية أو شطط شعوبي . ونفى الله سبحانه وتعالى صفة الفضل عن اليهود بعـد أن خالفوا شريعة الله ولعنهم. قال الله تعالى :{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ  }[ المائدة: 60] والله سبحانه وتعالى ما اختار العرب لرسالة الإسلام واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم لتبليغ هذه الرسالة إلا لكونهم مؤهلين لأداء هذه المهمة الربانية . وإذا كان للعرب ولقريش ولعلي بن أبي طالب من فضل فذاك لأعمالهم الخالدة في نصرة الإسلام ونشره بدمائهم وأرواحهم  . وان من أخطر مزالق التوجيه والتربية أن يستخدم القرآن والسنة مغالاة وتأويلاً لأغراض عرقية ولترسيخ السلوكيات العنصرية ، ولاضطهاد فئات اجتماعية معينة في مجتمع طبقي . إن الله وحده هو الذي يهيئ في زمن معين ظروفاً وخصائص تجعل من أمة معينة ، أو شعب معين ، أو قبيلة معينة ، أو شخص معين للقيام بالمهام الربانية والإنسانية العظيمة . وهذه الخصائص غير ثابتة ولا تورث أي لا تنتقل من جيل إلى جيل . فالعرب مثلاً أيام البعثة المحمدية من أقدر الناس على نشر الإسلام . وكانت قريش من بين العرب لهيبتها وموقعها من الكعبة في مكة أجدر العرب بظهور النبوة فيها . وكان بنو هاشم لوجاهتهم في قريش هم الأنسب لأن تبرز النبوة فيهم . ولموقع أبي طالب لم تتجرأ قريش على إيذاء النبي في حياته . ولقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لما أودع الله فيه من خصائص وما يتمتع به من أخلاق وسجايا حميدة كالصدق والأمانة والبعد عن فسق الجاهلية هو أجدر بني هاشم بحمل الرسالة الإلهية  وما قِصّة شق صدره وهو طفل إلا إشارة إلى تطهيره هو شخصياً وإعداده جسمياً ونفسياً لحمل عبء الرسالة القادمة حين بلوغه سن الأربعين سن اكتمال العقل واتزان العواطف . هذا هو الاصطفاء الرباني للعرب ولقريش ولبني هاشم ولمحمد صلى الله عليه وسلم في ظروف وزمان البعثة المحمدية وهو اصطـفاء لا يورثه الأجداد للأحـفاد عبر قوانين الوراثة .  إن الرسالات الإلهية مسئولية عظيمة وأمانة  ثقيلة يحملها أنبياء الله المصطفون قال الله تعالى :      ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) [ الأحزاب:7-8].
  إن الاصطفاء الرباني تكليف ومشقة وصبر لهداية البشر لا للتعالي عليهم أو للتميز عليهم بل هو أبعد من ذلك أمام محاسبة عسيرة في حالة النكوث أو التقصير . فاليهود مثلاً قد اصطفى الله منهم الأنبياء والمرسلين ولما ضلوا وفسقوا وانحدروا في سلوكهم لعنهم الله ومسخهم قردةً وخنازير . وصفات العرب المجيدة والحميدة من شجاعة وكرم وتطلع إلى المجد والسؤدد بدون عقيدة ترشدهم تتحول هذه الصفات إلى سلب ونهب وقتل وحرب ضروس وطغيان وجور . وها هو عمرو بن كلثوم يقول مفتخراً :-
ونشرب إن وردنا الماء صفواً       ويشرب غيرنا كدراً وطيناً
 والناس عند الله متساوون . خلقهم كلهم من أبوين هما آدم وحواء  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بمنى : ( يا أيها الناس  ألا إنّ ربكم عزّ وجّل واحد ألا إنّ أباكم واحد .ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلاّ بالتقوى . ) رواه احمد.. هذا الإعلان العالمي من رسول الله إلى الناس كافة بالمساواة الطبيعية بين الناس جميعاً وبإلغاء التمييز العنصري بين البشر في أكبر حشد للمسلمين لم تنصت إليه النظريات العنصرية من يهودية ساميّة وغربية آرية وببغاوية استعلائية[59] .
4) الكفاءة في النكاح القائمة على أساس الدين والخلق فقط لا على أساس النسب[60] : لم أر شيئاً كالزواج يحطم حواجز النسب ويبني سياجه ويحافظ على كرامة الإنسان . والله سبحانه وتعالى لم يضع أمام الزواج عائقاً نسـبياً بين الـرجل والمرأة إلا عائق الرحم ، ولا عائقا اجتماعياً إلاّ زواج الحر من الأمة كيلا يقع الأولاد في قيود العبودية  واعتبر العقيدة الإسلامية أساس الكفاءة الزوجية فنهى عن زواج المسلم من المشركة مهما كان موقع المشركة من الحسن والجاه وعن زواج المسلمة من الكافر مهما كان موقع الكافر من الحسب والنسب . قال الله تعال :{ وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . }[ البقرة: 221] والـزواج في الإسـلام قـائم على الإرادة الـحرة بين الرجـل والمرأة أو وليها . دون اعتبار  لنسب أو حسب فقد زوّج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة المولى على ابنة عمته القرشية زينب ابنة جحش ، كما زوّج ابنتيه زينب ورقية على أبي العاص بن الربيع وعثمان بن عفان غير الهاشميين أيضاً . وتزوج عمر بن الخطاب غير الهاشمي على أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب شقيقة الحسن والحسين وأنجب منها ابنه زيدا . وضمنياً أفتى في تريم بحضرموت الشيخ أبوبكر الخطيب بأن الحضرمي غير العلوي كفؤ للحضرمية العلوية وأعطى أهمية خاصة للعوامل الاجتماعية والنفسية في استقرار واستمرار الحياة الزوجية. وأفتى مفتي الديار الحضرمية عبد الرحمن المشهور بإجازة زواج رجال آل باحرمي على بنات        آل بافضل وآل الخطيب . وأفاد السيد المشهور في حيثيات فتواه أن السادة العلويين لا يكافئهم غيرهم ولوكان قرشياً لانتسابهم إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وان العرب من غير السادة مهما اختلفت قبائلهم وأنسابهم متكافئون . ويقرع المفتي بشكل خفي ومبطن من يقول بان آل باحرمي لا يكافئون آل الخطيب وآل بافضل بقوله في فتواه: (( إنّ مشائخ عصره يغلب عليهم أنهم يوافقون آباءهم في الاسم والجسد ولا يوافقونهم حقيقة ورسما . فافهم واسترشد ))  هذا ويفهم من حيثيات الفتوى أنه قد استبعد الكفاءة الزوجية على أساس النسب ولكنه استعلى فاستثنى العلويين الذين ينتسب هو إليهم[61]  .



[1] - راجع " التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (20 / 67) و " روح المعاني - (20 / 42)  و " تفسير الشعراوي - (1 / 6818)0  
[2] - القيم الإسلامية - (1 / 52)
[3]  - الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل – تأليف علي بن نايف الشحود (5 / 261)
[4] - فقه الزكاة – د0يوسف القرضاوي - (2 / 186)
[5] - وهؤلاء يمثلون أقلية في المجتمع ؛ إذ لا يبلغ عددهم ربع السكان في أحسن الأحوال
[6] - كان الواجب على حزب المؤتمر – كما قال أحد الأساتذة الفضلاء – أن يقضي على مظاهر الطبقية ، لا أن يساهم في استعادة النظام الطبقي السابق 0
[7] - دليل الإدارة المدرسية ص44
[8] - دليل الإدارة المدرسية ص417
[9] - ص29 وقد يكون السبب في لعب النسب ذلك الدور  ضعف البناء العقدي الصحيح ؛ إذ الأصل أن الدين وحده هو الذي يحدد مكانة الشخص في المجتمع وطبيعة العلاقة معه من خلال إعمال مبدأ الولاء والبراء 0
[10] - ص29
[11] - ص31
[12] - ص32
[13] - ص56
[14] - ص34
[15] - ص36
[16] - ذكر أحد الأساتذة الفضلاء بأن الأسطورة تأتي بعد قيام الحدث لتوهم الناس بأن للحدث أصلا صحيحا يستند إليه0 لكن التقسيم الطبقي الذي يذكره المؤلف لم يأخذه من الأسطورة المذكورة بل من بعض المصادر التي ذكرها في ثنايا بحثه وكذلك من الواقع التاريخي الممتد عبر مئات السنين ولا تزال مظاهره موجودة بيننا 0
[17] - ص57
[18] -  علوي بن طاهر الحداد  القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل وهو يقع في مجلدين كبيرين طبع مرتين وقد كانت الأولى عام 1334هـ .
[19] - ص36-37
[20] - راجع الموسوعة الميسرة في الاديان والمذاهب المعاصرة ـ الدورة العالمية للشباب الاسلامي
[21] - ص37
[22] - ص38
[23] -ص 39
[24] - ص39-40
[25] - ص95
[26] - من ص121-123
[27] - سبق هذا الدور – كما يذكر أحد الأساتذة الفضلاء – الدور الإباضي والحكم الراشدي " إمارة آل راشد " وقد تميزا بوجود العدالة الاجتماعية والمساواة 0
[28] - محمد بن هاشم : تاريخ الدولة الكثيرية .
[29] -  بل لا يزال يقرر بعض دعاة التصوف المعاصرين أن على بقية طبقات المجتمع خدمة آل البيت ، فيقرر الداعية  الصوفي أبوبكر العدني أن من حقوق آل البيت على بقية الناس " موالاتهم بالمحبة والخدمة " وذلك في كتابه  " التليد والطارف " ص481 ومن المفيد هنا نقل الحديث الذي رواه الإمام البخاري وله صلة بهذا الموضوع إذ ينسف الكلام السابق من أساسه  ؛ فعن ابن أبي ليلى عن علي : أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى فأتت النبي صلى الله عليه و سلم تسأله خادما فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال      ( مكانك ) . فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ( ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين فهذا خير لكما من خادم )0
 وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال التسبيح أربع وثلاثون " رواه البخاري0 قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/  119) شارحا الحديث : قوله ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى زاد بدل في روايته مما تطحن وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي عند الطبراني وأرته اثرا في يدها من الرحى وفي زوائد عبدالله بن احمد في مسند أبيه وصححه بن حبان من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي اشتكت فاطمة مجل يدها وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع وقال الطبري المراد به غلظ اليد وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه وعند احمد من رواية هبيرة بن يريم عن علي قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فسألتيه خادما فقد اجهدك الطحن والعمل وعنده وعند بن سعد من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما زوجه فاطمة فذكر الحديث وفيه فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري فقالت وانا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقوله سنوت بفتح المهملة والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان السانية وهي الناقة وعند أبي داود من طريق أبي الورد بن ثمامة عن علي بن اعبد عن علي قال كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و سلم فجرت بالرحى حتى اثرت بيدها واستقت بالقربة حتى اثرت في عنقها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وفي رواية له وخبزت حتى تغير وجهها قوله فأتت النبي صلى الله عليه و سلم تسأله خادما أي جارية تخدمها ويطلق أيضا على الذكر وفي رواية السائب وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي إليه فاستخدميه أي اسأليه خادما 0
[30] - أي عقوبة مالية
[31] - من278-280
[32] - الحق أن تعليق وصف السيادة والشرف على ذرية الحسنين ليس له أصل في الدين : قال العلامة بكر أبو زيد في كتابه " معجم المناهي اللفظية " عند  حديثه عن تخصيص من ينتمي إلى فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باسم السيد : " وأمّا إطلاق السيّد على ذريّة الحسنين ، فهذا الإطلاق لم يكن في الزمن الأول 00
وقال في موضع آخر : وأمَّا إطلاق السيّد على عقب الحسنين ، فلا أصل له ، وكذلك العمامة الخضراء حتى قال القائل :
                جعلوا  لأبناء  الرسول  علامة    إنّ العلامة شأن من لم يشتهر
وقال نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية وموافقا له : فتبيَّن أنَّ الحسنيْن وعقبهما من جملة الآل ومن جملة أهل البيت ، وأنهم لا يتميزون عن سائر قريش إلا بتحريم الصدقة . وإن لعقب الحسنيْن فضيلة أُخرى وهي ما ورد في حقهما من الأحاديث ، هذا إنْ كانوا سالكين المسالك المرضية لله تعالى، وإلا فالرسول بريء منهم.
                          لا تنفع الأنسابُ من هاشمٍ    إن كانتِ الأنفسُ مِن باهلة
وإنّ إطلاق اسم الشريف والسيّد إطلاق حادث ، وكذا لبْس الطراز الأخضر ، كلّ ذلك مِن المبتدعات { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } . هذا ما لزم بيانه والله أعلم . ) انتهى  .0
 وكذلك إطلاق وصف الأشراف عليهم وقد وجد أن أقدم من أطلق هذا اللقب عليه بالشكل الإصطلاحي  هو الشريف المرتضى (355 - 436 ه )وأخوه الشريف الرضي(359 - 406 ه ) فقد كان يطلق عليهم قبل ذلك أهل البيت وهو وصف يطلق عليهم كجماعة لا كأفراد ؛ فالفرد منهم لم يكن له وصف خاص يميزه  وكذلك يطلق عليهم الهاشميون والعلويون على عادة العرب في النسبة إلى قبائلهم ؛ وما تقدم يبطل مزاعم بعضهم باختصاصهم بوصف السيد والشريف ؛ فلم يكن هذان الوصفان يعلقان بالنسب وإنما يعلقان بالمعاني المناسبة لهما كما سيتضح ذلك لكل من تتبع دلالة اللفظين في اللغة  والشرع ؛ فالسيادة المطلقة هي لله عز وجل ، وللإنسان سيادة مقيدة إذا وجدت عنده أسبابها والمتمثلة في معاني متعددة منها : النبوة و العلم والعبادة والحلم والورع والفضل و كثرة الخير والزوج والكمال والجود والكبر في السن 0
  وقد كان لقب السيد يطلق في حضرموت على أهل العلم ؛ بل ذلك معروف عند علماء المذهب الشافعي فكثيرا ما يعبرون عن علماء المذهب بالسادة الشافعية 0 وفي كتاب معجم بلدان حضرموت ص570 : ذكر لكتاب " السعادة والخير في السادة بني قشير" للشيخ عبدالله باقشير  ثم نقل منه : ومن أهل العجز السادة بنو مشيرح وهم من الصدف من كندة ، رؤوس العرب كما ذكره الإمام أبو شكيل في تاريخه0ونقل الاستاذ علي بن محسن السقاف في كتابه " الاستزادة من أخبار السادة " ج1ص 141-142عن بضائع التابوت: أن كبار العلويين لم يكن يطلق عليهم إلا لقب الشيخ ؛ في الوقت الذي كان يدعى آل باعباد وآل باقشير بالسادة ، ولم ترد في أدبيات العلويين في أدوارهم الأولى لفظة السيد إلا في القليل النادر ، ولعل أكثرها ما ورد في وصف العلويين لشيوخهم في العلم من غير العلويين فقد مدح السيد عبدالرحمن بن علي السقاف ( 850-923هـ ) شيخه العلامة سالم بافضل بأبيات يقول فيها :  
                            والشيخ سالم سيدي     محيي السنن والواجبات "  
  ثم خص العلويون أنفسهم بهذا الوصف من دون الناس بل جعلوه حقا من حقوق        آل البيت النبوي ؛ فصارت تطلق على كل أحد منهم سواء كان عالما أو جاهلا ؛ صالحا أو فاسدا ؛ سنيا أو بدعيا ؛ إسلاميا أو علمانيا ؛ حتى على أعضاء الحزب الاشتراكي وأشباههم ؟!!! ويستنكرون إطلاقها على العلماء والصلحاء وقادة العمل الإسلامي لأنهم غير علويين !!0
   والمستنكر حقا إطلاق تلك الأوصاف المكرمة على أهل البدع ؛ والمنتسبين إلى الأحزاب العلمانية والفسقة من العصاة ومتعاطي القات الخ 0 فإن أمثال هؤلاء ليسوا أهلا للتكريم والتعظيم عند سلف الأمة !! والله المستعان 0
  وقد عقد الإمام النووي في كتابه " رياض الصالحين " بابا بعنوان : باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بِسَيِّد ونحوه مستدلا بحديث بُريَدَةَ - رضي الله عنه - قالَ : قالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ - عز وجل - )) . رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
 والمؤمل اليوم من طلاب العلم الشرعي والمثقفين الواعين تصحيح الأوضاع المختلة وإعادة الأمور إلى نصابها وأن يخصوا بتلك الألقاب أهل السنة من العلماء والمثقفين الواعين والأفاضل من المعلمين والأطباء والشخصيات الاجتماعية وغيرهم من المستقيمين على جادة الطريق ؛ وأن يبتعدوا عن إطلاق تلك الألقاب على المنحرفين عن الجادة ؛ ولو تحت ذريعة تنزيل الناس منازلهم إذ السيادة ليست من منازل أهل البدع 0
[33] - لقد أقر العلويون بوجود بعض من لم يسلم بصحة نسبهم من الحضارم ؛ ففي ( معجم بلدان حضرموت ) للعلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف ص144 في ترجمة العلامة علي باصبرين ذكر وجود منازعات بينه وبين علماء تريم في عدة مسائل منها التوسل والاستغاثة ومنها ثبوت النسب بمشجرات العلويين وكان الشيخ باصبرين يبالغ في إنكار ذلك وألف رسالة " حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشجرة " ، فرد عليه بعض العلويين فكتب الشيخ باصبرين رسالة أخرى في نقض الرد سماها  " إنسان العين "  وقد أشار العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف في كتابه " بضائع التابوت " حسب ما نقله عنه الاستاذ علي السقاف في  كتابه " الاستزادة من علوم السادة " إلى من ينكر ذلك الانتساب وذكر من أدلتهم حديث الصحيحين " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " وعدم انطباق ذلك على العلويين إذ هم أغنى الناس في حضرموت ؛ ومما ذكره بعضهم قوله تعالى ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) وإن عدم الصلاح يمنع من النسبة إلى الأنبياء 0 وممن لم يسلم بنسبهم المؤرخ صلاح البكري0 وألف الأستاذ سقاف بن علي الكاف كتابه " نسب السادة بني علوي " للرد على الشيخ الفاضل علي الطنطاوي الذي لم يسلم بصحة نسبهم في مذكراته ، ولم ينفرد المذكورون بالبحث في مسألة الأنساب ؛ فمؤلف " معجم بلدان حضرموت" في ص135 قد ذكر إنكار بعض العلويين انتساب آل اسحاق إلى نسل العباس بن عبد المطلب وكذلك انتساب آل جابر إلى نسل عقيل بن أبي طالب ؛ ويقول صاحب الشامل ( المؤرخ علوي الحداد ) – كما سيأتي كلامه في أصل الموضوع -: " الأنساب الحضرمية إنها كلها للتملق . وليست قائمة على علم الأنساب بل هي توهمات و زعم واشتقاقات يقولها السذج والعوام والمتملقون أو قـالها سـلفنا " السادة آل باعلوي " تفاؤلاً !! أوعن طريق عقد النسب (الولاء ) فسعيد غير القبيلي يعقد مع سعيد القبيلي بالنسب فيصبح قبيلياً بالولاء " ويندد صاحب الشامل بمن ينادي بالأخوة والمساواة بين جميع الحضارم فيتهمهم بأنهم ( من بقايا الإباضية الذين أبادهم الله  وأذلهم، وأنهم لا يعرف لهم نسب ولا حسب ) واستنكر الشاعر أبوبكر بن شهاب في كتابه رشفة الصادي "ص218 كثرة المدعين زورا الانتساب إلى البيت النبوي – باستثناء العلويين – فقال " كثر في هذا الجيل التساهل في دعوى الشرف وتظاهر بها من تدل القرائن على تكذيبه وتحول الريبة دون تسليم مدعاه ووقع الناس بهذه الجراءة من أمثال هؤلاء المدعين في حيرة وتردد ، فان جحد نسبهم من غير حجة شرعية غير مستحسن والناس مأمونون على أنسابهم ، والاقرار لهم بصحته من غير حجة كذلك  والأسلم في هذ الباب للمنصف أن يتركهم وحالهم فإن طالبونا بحق من الحقوق الشرعية لم يلزم علينا أداؤه إلا بحجة شرعية يثبت بها نسبهم "0 والسبب في كثرة المدعين الانتساب إلى آل البيت النبوي ذلك التمييز الذي جعل لطائفة معينة امتيازات كثيرة مما دفع بكثير من الطامعين إلى إدعاء الإنتساب إلى البيت النبوي 0والقول الفصل في صحة الانتساب هو قول العلماء المتخصصين في علم الأنساب وعلم الرجال والتراجم والطبقات ؛ ومن الطريف استعمال بعضهم أحدث ما انتجته التقنية هنا من خلال استعمال التحليل بالحمض النووي الذي يستطيع أن يحدد السلالة التي تنتمي إليها القبيلة أو العائلة للتمييز بين من تصح نسبتهم ومن لا تصح ؟!!!
[34] - وقد ردوا إليها في ظل النظام الاشتراكي 0
[35] -  المعروف أن المشائخ هم أهل العلم الشرعي من أي نسب كانوا ؛ وأما تعليق ذلك الوصف بنسب معين فمتلقى من عصور التخلف واحتكار العلم حيث يطلق على الشخص منذ خروجه من بطن أمه جاهلا  لأن نسبه يرجع إلى آل فلان فينشأ مغرورا ؛ ولا أدري لماذا يتعب نفسه في طلب العلم بعد ذلك وقد تحصل على لقب الشيخ من دون عناء ؟!!0
[36] - وفي " مجلة المنار " وجه سؤال للعلامة محمد رشيد رضا وهو من المنتسبين للبيت النبوي: ما يقول المنار المنير في تقبيل اليد ؟ فإني أرى سادات اليمن وحضرموت المنتسبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينكرون على مَن لم يقبل أيديهم , ويزعمون أنهم مستحقون لتقبيل اليد ، فهل لهذا أصل في السنة ؟ أفيدونا . فأجاب : إن زعموا أن هذا حق شرعي لهم ثبت في السنة فمن ترك تقبيل أيديهم يكون مخالفًا ومرتكبًا محرمًا أو مكروهًا - فقد زادوا في شريعة الله ما ليس منها , وهذا من أعظم الكبائر . وإن كانوا يريدون أنه قد استحسن في الآداب العادية أن تقبل أيديهم فصار ترك بعض الناس لذلك في بلاد جرت عادتها به لا يخلو من إشعار بعدم الاحترام فالأمر سهل والسنة في التحية السلام والمصافحة . أقول هذا وأنا أعلم بما قال النووي في ذلك , والسنة الصحيحة تعرف بعمل الناس في الصدر الأول وبنقل ذلك , ولا يكتفى فيها بحديث الآحاد ؛ إذ لا يمكن أن يشرع شيء لا يعمل به أهل الصدر من الصحابة والتابعين , ولا يمكن أن يعمل المسلمون به ويبقى مجهولاً لا يعرفه إلا الآحاد من المتأخرين . وقد قال صاحب المدخل عند ذكر
تقبيل اليد بدل المصافحة ما نصه : ( وقد وقع إنكار العلماء لذلك فإن كان المقبل يده عالمًا أو صالحًا أو هما معًا فأنكره مالك في المشهور عنه وأجازه غيره . وأما تقبيل يد غير هذين فلا يعرف أحد يقول بجوازه لا سيما إذا انضاف إلى ذلك أن يكون المقبل يده ظالمًا أو بدعيًّا أو ممن يريد تقبيل يده ويختاره فهو الداء العضال الواقع بالفاعل والمفعول به ، وبمن أعجبه ذلك منهما ؛ لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد . نعوذ بالله من المخالفة وترك الامتثال . كل هذا سببه ترك السنة أو التهاون بشيء منها ) . فأنت ترى أنه قد شدد في المسألة جدًّا ؛ لأنه عدَّها بدعة دينية , وله الحق في التشديد في ذلك إذا فعل التقبيل على أنه مطلوب شرعًا أو ترتب عليه مفسدة كإعانة المبتدعين والظالمين على بدعتهم وظلمهم . وأما ما يفعل بمقتضى العادة - لا باسم الدين - فهو مباح إلا إذا ترتبت عليه مفسدة , ومنها أن يعتقد أنه من الدين كما يزعم سادة حضرموت ! "
وفي " مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية " تأليف الشيخ بدر الدين أبي عبد الله بن محمد بن علي الحنبلي البعلي : فأما تقبيل اليد فلم يكونوا يعتادونه إلا قليلا ولما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم مؤتة قبلوا يده وقالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون وقبل أبو عبيدة يد عمر ورخص أكثر الفقهاء أحمد وغيره لمن فعل ذلك على وجه التدين لا على وجه التعظيم للدنيا وكره ذلك آخرون كمالك وغيره وقال سليمان بن حرب هي السجدة الصغرى0  وأما ابتداء مد اليد للناس ليقلبوها وقصده لذلك فينهى عن ذلك بلا نزاع كائنا من كان بخلاف ما إذا كان المقبل المبتدئ بذلك وفي السنن قالوا يا رسول الله يلقى أحدنا أخاه أفينحنى له قال لا قالوا فيلزمه ويعانقه قال لا قالوا فيصافحه قال نعم 0
  وفي " خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء " للشيخ الصادق بن محمد بن إبراهيم نقد لخرافة الصوفية بأنه : صلى الله عليه وسلم أخرج يده من قبره، ليقبلها أحمد الرفاعي إذ " لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم حال حياته أن يمد يده كي يقبلها المسلِّم عليه  0      
وقال العلامة ابن عبد البر : وروينا من وجوه عن الشعبي، قال: صلى زيد بن ثابت على جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله.فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء. وزاد بعضهم في هذا الحديث: إن زيد بن ثابت كافأ ابن عباس على أخذه بركابه أن قبل يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا ؛ وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها، والجنازة كانت جنازة أم زيد بن ثابت صلى عليها زيد وكبر أربعًا وأخذ ابن عباس بركابه يومئذ..  قال المحقق فواز زمرلي : رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 484. والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 99، وفي الجامع "310-311" 1/ 283، وابن سعد في الطبقات 2/ 360، والطبراني في المعجم الكبير برقم "4746" 5/ 107-108، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 325-326 "دار الفكر"، والبيهقي في المدخل "93" ص137، و"670" ص385، وأورده الحافظ ابن حجر في الإصابة 1/ 543 وصحح إسناده, أي: بدون الزيادة ( وهي إن زيد بن ثابت كافأ ابن عباس على أخذه بركابه أن قبل يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وانظر مجمع الزوائد 9/ 345. ورواه بذكر الركاب فقط : ابن سعد في الطبقات 2/ 360، والحاكم في المستدرك 3/ 423، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 325. ورواه بالزيادة التي تكلم عليها ابن عبد البر: الحافظ ابن المقرئ في جزئه: "الرخصة في تقبيل اليد" برقم "30" ص95. وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 326، والدينوري في المجالسة برقم "1314" 4/ 146-147.  ومما يدل على ضعف تلك الزيادة أنه لم يثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمرهم أن يقبلوا يده ؛ فكيف يستقيم أن يقال بأنه أمرهم أن يقبلوا أيدي من هم أقل منه منزلة بمراحل ؟ !
  وقد بنى بعض العلويون على الأثر السابق أحكاما مختلفة فمن ذلك ما جاء في كلام الشاعر أبوبكر بن شهاب: من ندب تقبيل أيديهم وأن ذلك حقا لكل واحد منهم سواء كان صغيرا أو كبيرا ، عالما أو جاهلا ، وأن ذلك التقبيل مما يسر النبي صلى الله عليه وسلم ويسر فاطمة رضي الله عنها وأن ذلك يوجب لفاعله شفاعتهم وأن في شم رائحتهم – عند التقبيل - أمانا من الجذام 0 ثم أخذته الصحوة بعد الغفوة فذكر أن اللازم على أهل البيت ألا يتركوا أحدا يقبل أيديهم وإن جرت به العادة في بعض البلدان ؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم  وبأسلافهم من أئمة أهل البيت كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسنين وزين العابدين والباقر والصادق والعريضي والكاظم وغيرهم ، فإنهم كانوا يصافحون الناس المصافحة المعتادة وإن اتفق على الندور منهم تقبيل يد أحد منهم  فإن ذلك عن كره له ، ولا يبعد أن يدخل من يحب تقبيل الناس يده في حديث من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار " رشفة الصادي ص94-95 0 ومن أشنع ما جاء في هذا الباب ما نقلته دورين إنجرامز ؛ زوجة هارولد إنجرامز المستشار البريطاني في السلطنات الحضرمية التي عاشت وزوجها في بيوت بعض العلويين في كتابها " أيامي في الجزيرة العربية " ص64 : من تقبيل الأم يد ابنها العلوي إذا كانت غير علوية 0
[37] -  الناس بنص القرآن كلهم قبائل {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ}[49/13] ، فالتقسيم الطبقي للناس  إلى قبائل وغير قبائل مخالف للحقيقة القرآنية السابقة ؛ والله المستعان 0
[38] -العلم بالأنساب مطلوب شرعا ويقول الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ}: " وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب، مطلوبة مشروعة، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل ذلك". وترجع أنساب أهل حضرموت إلى قبيلتي كندة وحضرموت ما عدا من قدم من خارج حضرموت من العراق وأفريقيا و يافع و عمان 0 والذي يظهر أن سكان تريم الأصليين هم من قبيلة كندة ، خصوصا من كان أصل سكنهم السوق والخليف وضواحيهما0فقد كانت تريم تتكون من السوق والخليف وكانت تسكنها قبيلة كندة عند مجيء الاسلام وبعده وكان أفرادها حملة سلاح وعندهم اشتغال بالسياسة  حتى هزموا من قبل القبائل الوافدة - التي تحالف بعضها مع العلويين - فتركوا الاشتغال بالسياسة واضطروا إلى ترك السلاح بسبب استضعافهم واشتغلوا بالتجارة والزراعة وغيرها من الحرف وشجعهم على ما تقدم انتشار التصوف الذي كسر زعيمه – الفقيه المقدم – السيف وترك السياسة 0 ثم أهمل من ينتمي لقبيلة كندة نسبهم خصوصا بعد غلبة الجهل والأمية عليهم 0 ومما يدل على ما تقدم ما ذكره المؤرخ  محمد بن أحمد الشاطري في كتابه " أدوار التاريخ الحضرمي " ص66-67 من مساكن قبيلة كندة فيذكر منها مدن شبوة وتريم وشبام والأسعاء وهي الشحر الحالية ومدن دوعن 00وقرى بور ودمون الهجرين والعجلانية وعندل وتنعه " 0 ويقول الاستاذ : عوض بن مبارك بن سليمان بامؤمن في كتابه " الايلاف في تاريخ بلاد الاحقاف " ص57-58  أن من يسمون بالمساكين " ينحدرون من قبيلتي حضرموت وكندة 00 وقد ترك المساكين حمل السلاح والعصبية القبلية واشتغلوا بفلاحة الأرض والحرف اليدوية ومزاولة التجارة وتقديم الخدمات الاجتماعية 00" وقال إن أسماءهم : تبدأ عادة عند ذكر القبيلة بالحرفين الباء والألف فتقول : آل بامؤمن وآل باغيثان  00" 0 ويقول المؤرخ عبدالله بن مرعي بن محفوظ الكندي في كتابه " كندة ودورها في الجزيرة العربية " ص13 " كثير من قبائل كندة خارج حضرموت بل وفي داخلها لا يعرفون أنهم ينسبون إلى قبيلة كندة " 0 ويضيف ص14 " ترك لنا العهد القبلي موروثات من الجهل والتعصب بإطلاق بديعات من التفضيل والتقسيم للقبائل  0 ولا أعلم كيف تم هذا التقسيم ولماذا التفريق بين أفخاذ القبائل الواحدة إلى درجات مختلفة رغم أنهم يرجعون إلى جد واحد ، ويقال أنه حينما تفرقت الفخوذ إلى مناطق مختلفة فظهر الوهن في بعضها وأطلق عليهم الحرث والأخرى قويت فسميت القبائل ، وجاور الآخرين السادة وبيوت العلم فأطلق عليهم الشيوخ "0
[39] - من ص58 - 65
[40] - راجع كتاب القول الفصل لعلوي بن طاهر الحداد وكتاب صفحات من تاريخ حضرموت لحامد أبي بكر المحضار
[41] - صلاح عبد القادر البكري : تاريخ الإرشاد في إندونيسيا .
[42] - لا يزال كل من يعمل على القضاء على مظاهر الطبقية في المجتمع الحضرمي يتهم بالدعوة إلى الفتنة إلى يومنا هذا وكأن الطبقية جزء من الدين الاسلامي يجب الحفاظ عليها ؛ وليست جزء من النظام الجاهلي الذي جاء الإسلام للقضاء عليها0
[43] - من ص329-332
[44] - ص357-358
[45] - حكم المحدث الألباني على الحديث في ( ارواء الغليل ) بالضعف لأن مدار هذا الأثر على أبي إسحاق السبيعي وهو مختلط مدلس 0 ومما يدل على  ضعفه ويزيده وهنا – اضافة إلى ما ذكره المؤلف لاحقا : أ- ما قرره الإمام البخاري في صحيحه في : باب إمامة العبد والمولى من استحقاق العبد للإمامة إذا توفرت فيه صفات الإمام  : لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله ) ثم روى عن نافع عن ابن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا0 ومذهب الإمام الشافعي يقرر مشروعية  إمامة العبد ، فما بالك بالمولى 0 ب-  ما رواه العلامة الهيثمي : عن ابن عباس قال : قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال : أرضاك الله عبدا . قال : فتزوج في كندة الخ هكذا رواه الطبراني  أي أن سلمان قد تزوج في قبيلة كندة وهي قبيلة عربية عريقة0
[46] - من ص40-44
[47] - من ص61-65
[48] - ص60-61
[49] - مفتاح
[50] - من ص50-53
[51] - هناك من يسعى اليوم لإعادة  ذلك النظام تحت دعاوى براقة ليعيد انتاج النظام الطبقي من جديد ويفتت النسيج الاجتماعي المتلاحم نوعا ما في الظاهر ، وأكد أحد الأساتذة الفضلاء على أهمية تأليف دراسة خاصة عن نظام الحوف 0
[52] - من ص53-56
[53] - ذكر أحد الأساتذة الفضلاء مثالا على ذلك بما جاء في كتاب " رشفة الصادي " للمؤلف أبوبكر بن شهاب في الفصل السادس المخصص لذكر تحريم أهل البيت على النار وأن الله غير معذبهم وفي اثبات التوبة والمغفرة لكل فرد من أفرادهم : 00 وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي ان الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك وشيعتك ولمحبي شيعتك 00ثم قال ابن شهاب: فالزم حدك أيها الأخ ولا تتعده فان الخمرة تستحيل خلا ، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم لأن ذنوبهم إنما هي صورية والتوبة التي سبقت لهم بها الارادة تغسل تلك الصور وتبدلها حسنات 00الخ ص81-82 0 وحديث ابن مسعود الذي استدل به من الأحاديث الموضوعة التي ذكرها الحافظ السيوطي في اللآلي المصنوعة (1/  367) والحافظ ابن الجوزي في الموضوعات (1/  422) 0 ولو تم التسليم جدلا بصحة الحديث فإن الحديث – كما قال الحافظ ابن الجوزي - محمول على ذريتها الذين هم أولادها خاصة الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكذلك فسره محمد بن على بن موسى الرضى، فقال هو خاص للحسن والحسين ". وفي اللآلي المصنوعة (1/  367) عن جعفر محمد بن يزيد قال كنت ببغداد فقال محمد بن مندة هل لك أن أدخلك على ابن الرضى قلت نعم فأدخلني فسلمنا عليه وجلسنا فقال له حديث النبي إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار قال خاص للحسن والحسين" وأما حديث علي رضي الله عنه  فهو موضوع أيضا ففي " تذكرة الموضوعات – للعلامة الفتني (ص: 98) قال عن سند الحديث : فيه داود الوضاع. وفي الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للحافظ الشوكاني(ص: 384) قال : في إسناده وضاع 0" 0 ولا تنس أن تستصحب هنا ما ذكره المؤلف ابن شهاب في مقدمة كتابه في ص5 من قوله : لم أذكر مالا يستحسن ايراده مما وضع أو ضعف جدا اسناده " وهذا الكلام عار عن الحقيقة إذ ملأ كتابه بالأحاديث الموضوعة والضعيفة جدا ؛ ؛ وليس هذا خاصا به بل يكاد يغلب على كثير ممن يتكلم عن فضائل آل البيت النبوي من العلويين ؛ إذ لا يميز أكثرهم بين الصحيح وبين الضعيف والموضوع من الآثار المرفوعة أو الموقوفة ، ويبنون على الأحاديث الضعيفة والموضوعة أحكاما غريبة عن روح الدين الإسلامي ؛ لا يبالون فيها بمخالفتهم للآيات والأحاديث الصحيحة التي تقرر خلاف ما يدعون 0 وقد تبنى الشيخ سقاف بن علي الكاف عقيدة ابن شهاب السابقة وزاد عليها بالقول بأن جميع أفراد الذرية يوم القيامة تكون في منزلة النبي صلى الله عليه وسلم – أي في منزلة أعلى من منزلة جميع الرسل والأنبياء - مستدلا بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) 0 وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به : الصغار ، أو الكبار وهذا القول بأن الذرّيّة هنا الصغار مروي عن ابن عباس ففي تفسير القرطبي (17/  67) : وعن ابن عباس أنه قال: إن الله ليلحق بالمؤمن ذريته الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان ، والذي رجحه المحققون من أهل العلم في تفسيرها أنهم الصغار ، مستدلين بالآتي :
- قال الحافظ ابن قيم الجوزية في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 281): واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته " .
- وفي تفسير القرآن للعلامة العثيمين (10/  11) : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمن ألحقنا بهم ذريتهم } أي: الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله -عز وجل - {ألحقنا بهم ذريتهم } أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم، وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم، لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم 0
- لو حملت الآية على العموم فإن آدم أبو البشر سيلحق به أبناؤه ، وأبناؤه سيلحقهم أبناؤهم وهكذا إلى نهاية البشر فيكون الجميع في منزلة واحدة 0
- ولو كان المراد بالذرية البالغين لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم ويكون أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم أيضاً وهلمّ جرا إلى يوم القيامة فيكون الآخرون في درجة السابقين0
 - وعلى القول بأن ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المسلمة الممتدة في الزمان إلى يوم القيامة كلهم في منزلته فيلزم من ذلك كونهم في منزلة أعلى من منزلة أنبياء الله ورسله الذين هم في منزلة أقل من منزلته صلى الله عليه وسلم وكذلك هم في منزلة أعلى من منزلة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه ليس من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم
- في القول السابق اسقاط لمنزلة العمل وإعلاء لمنزلة النسب وهو مخالف للآيات والأحاديث التي دلت على أهمية العمل وأن الناس يتفاضلون في الجنة بأعمالهم لا بأنسابهم 0
- يخالف ذلك القول حديث " ومَن بطَّأَ به عَملُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسبُهُ». أخرجه مسلم . قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص: 347)معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة كما قال تعالى ( ولكل درجات مما عملوا )الأنعام فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله لم يسرع به نسبه فيبلغه تلك الدرجات فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب 00
- ما تواتر عن علماء الأمة من الحث على العمل والتحذير من الاغترار بالنسب  
 واتخذ العلامة القاسمي في " محاسن التأويل" منحى آخر في تفسير الآية فقال:{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } أي : اقتفت آثارهم في الإيمان والعمل الصالح { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } أي : في الجنات والنعيم ، والخطاب ، لما كان مع الصحابة رضي الله عنهم ، وهم واثقون بوعد الله ، تمم لهم البشارة بالموعود به ، بأنه ينال ذريتهم أيضاً ، إن اتبعوا آباءهم بإحسان ، هذا هو المراد من الآية . وأما من قال في معناها : إن المؤمن ترفع له ذريته فيلحقون به ، إن كانوا دونه في العمل ، فلا تقتضيه الآية تصريحاً ولا تلويحاً 0
  ومن الأمثلة على تبني هؤلاء الفكر الشيعي فهمهم لقوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) باعتقادهم بتطهير جميع الذرية ؛ مع تضخيمهم لمدلول التطهير ليوهمون الناس بقداسة ذواتهم ‘ وهم بهذا قد زادوا في الغلو على الشيعة الإمامية الذين خصوا الآية بأئمتهم الاثني عشر وجعلوها دليلا على عصمة الأئمة ، ومن المعلوم عند أهل السنة أن المقصود بالتطهير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء ثم أهل الكساء ( علي وفاطمة والحسن والحسين ) رضي الله عنهم فقط ولا يدخل في ذلك ذريتهم 0 وأن التطهير لا يعنى القداسة والعصمة من الذنب أو الخطأ في الاجتهاد إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم - كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ, وَخَيْرُ اَلْخَطَّائِينَ اَلتَّوَّابُونَ - أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ كما قال الحافظ ابن حجر في "  بلوغ المرام من أدلة الأحكام " وفي الحديث القدسي " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم] رواه مسلم 0 والمعصوم عند جميع المسلمين – ما خلا الشيعة – إنما هو النبي صلى الله عليه وسلم . ويعتقد العلويون أن الوصف بالتطهير لم يوصف به إلا أهل البيت فقط مع أن الله قد وصف الصحابة بذلك فقال ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) 0 وقال تعالى ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) 0 بل وصف المسلمون عامة بذلك ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) 0
[54] - من ص270-275
[55] - نشرت  مجلة المنار (8/  580) فتوى المفتي عمر بن سالم العطاس التي حررها في شهر محرم سنة 1323 هـ بشأن المسألة التي وقع فيها النزاع بين الإرشاديين والعلويين حول صحة زواج غير العلوي بالعلوي . وهذا نص الفتوى : السؤال : ما قولكم في من يستحل تزويج الشرائف بمن ليسوا بأشراف ، بل لو كان بعضهم يزعم أنه هاشمي أو مطلبي ، أو من بقية قريش فهل يصح تزويجهم بالشرائف أو لا ؟ ( الجواب والله أعلم بالصواب ) : اعلم أن مراعاة الكفاءة في النكاح واجبة ، وهي في النسب على أربعة درجات ( كذا ) الأولى : العرب لا يكافئهم غيرهم من العجم ، الثانية : قريش لا يكافئهم غيرهم من بقية العرب ، الثالثة : بنو هاشم وبنو عبد المطلب لا يكافئهم غيرهم من بقية قريش ، الرابعة : أولاد فاطمة الزهراء بنو الحسن والحسين - رضي الله عنهم- لا يكافئهم غيرهم من بني هاشم ، والدليل عليه كما في التحفة والنهاية وغيرهما خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله اصطفى من العرب كنانة ، واصطفى من كنانة قريشًا ، واصطفى من قريش بني هاشم ) والأحاديث الواردة في فضل العرب وفي فضل قريش وفي فضل بني هاشم كثيرة جدًّا . وقال ابن حجر في التحفة والرملي في النهاية : أولاد فاطمة لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم ؛ لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها كالوقف والوصية كما صرحوا به   ( انتهى ) لأنهم أبناؤه كما ثبت في قصة المباهلة في قوله تعالى { نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } ( آل عمران : 61 ) فإنه ورد أنه خرج ومعه الحسن والحسين وعلي وفاطمة ، وروى الحاكم قال صلى الله عليه وسلم :( لكل بني أم عصبة إلا أبناء فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم) وأخرج الترمذي عن أسامة أنه صلى الله عليه وسلم أجلس الحسن والحسين يومًا على فخذيه وقال : ( هذان ابناي وابنا بنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما ) وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ) ( انتهى ) . فقول الشارع نص ، ويترتب عليه أحكام البنوة في الأشباح والأرواح كالحسن والحسين وأولادهما ، والتشريف ببعض خصائصه صلى الله عليه وسلم فوجوب الصلاة عليهم ودخولهم في آية التطهير وتحريم الزكاة عليهم وافتراض محبتهم على الأمة وغير ذلك ، ثم اعلم أن الشرف قسمان ذاتي ، وصفاتي وقد اصطلح العلماء على أن الشرف الذاتي للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه بالنسبة لذريته فكما كانت ذات النبوة مختارة الله من الوجود فجعلها الله معدنًا لكل نعت محمود ، ولم يزل يسري منها في شعبها مظهرها في المعدن ، ومع ذلك فقد بلغ الجليل الكبير في كمال التطهير لها كما قال : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }  لا بعمل عملوه ، ولا بصالح قدموه ، بل بسابق عناية من الله لهم فتأثير البَضْعة النبوية لا يدركه أكابر الأولياء من غيرهم ، ولو جاهدوا أبد الآباد ، ولهذا السر قال الله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى } ( الشورى : 23 ) إذا عرفت ذلك واتضح لك أن مقام ذات النبوة وقدرها لا يدرك ، وعرفت أن الكفاءة عند العرب بل وغيرهم أمر مرعي وقد جاء الشرع في ذلك على موافقة عادتهم وعرفت أن تزويج الأدنى بمن ليس كفوءًا لها ملحق عارًا على عصبتها كما صرح به الفقهاء الواصل ذلك العار عند تزويج الشرائف بغير الأشراف إلى مقامه صلى الله عليه وسلم فحقق لديك أن الجراءة على ذلك إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولذريته ، وأي إيذاء أعظم من إلحاق العار فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من آذى أهل بيتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ) وقال عليه الصلاة والسلام :( لا تؤذوني في أهل بيتي ) ... إلخ ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( احفظوني في أهل بيتي ) فإيذاؤهم من أكبر الكبائر ومن استحله كفر فلا يجوز تزويج غير السيد بالسيدة ، ولو رضيت وأسقطت الكفاءة أو رضي وليها ؛ لأن الحق ليس لهما ؛ لأنه شرف ذاتي ليس من كسبهما حتى يسقطاه بل له- صلى الله عليه وسلم - ولكافة أبناء الحسنين ، ولو يتصور رضاهم ، وقد ثبت أنهم مَوَالٍ على ما سواهم من كافة الخلق بنص حديث : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وهل يجوز تزويج العبد مولاته ، لا قائل به ، بل قد منع خليفة الزمان السلطان عبد الحميد خان أيده الله تبعًا لسلفه تزويج السيدات بغير السادة ، وأمر الخليفة يجب العمل به في المباحات فضلاً عن الموافق للحكم الشرعي . وأما ما نسب إلى الإمام مالك عالم دار الهجرة - رضي الله عنه - أن المسلمين أكفاء فلا يبعد أنه مقول عليه ؛ لأنه ثبت عنه أنه امتنع من لبس النعال في المدينة ؛ فقال : أستحي أن أطأ بنعلي أرضًا وطئها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه فمن استعظم ، واستشرف أرضًا وطئها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه يبيح ويستحل افتراش ووطء بضعته صلى الله عليه وسلم ؟ يجل قدره عن ما نسب إليه - رضي الله عنه - وفي هذا القدر كفاية لمن منَّ الله عليه بالهداية ، ومن قال بخلاف ما ذكر ؛ فإما عدم اطلاع ،وإما جهل بقدره - صلى الله عليه وسلم - وقدر أهل بيته ، بل من تجرأ وارتكب ذلك بعد اطلاعه على ما ذكر ؛ فهو ضعيف إيمان ، بل مسلوبه لمراغمته ، ومعاندته للشرع يخشى عليه من سوء العاقبة و  { مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } (الأعراف : 186 ) حفظنا الله من ارتكاب الموبقات ، وعصمنا من الهجوم على الخطيئات ، وعرفنا قدر نبيه وأهل بيته السادات إنه ولي التوفيق غير أنه معلوم لدي كل ذي عقل أنه للضرورات تباح المحظورات وارتكاب أخف الضررين لدفع الأشد متعين فلا يلزمك العناد ارتكاب الفساد والعدول عن سبيل الرشاد . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
[56] -ص122
[57] - علق أحد الأساتذة الأفاضل على ذلك بالقول بأن الهرم الطبقي لم ينهار في الحقيقة ؛ بل ظل متماسكا وقائما حتى يومنا هذا0
[58] - ص 65
[59] - من ص45-47
[60] - هناك قول آخر في المذهب الشافعي  للإمام الشافعي نفسه يعتبر الكفاءة في الدين فقط : قال الإمام النووي في الروضة (7/84): " ونقل ابن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال: الكفاءة في الدين، وهو كذلك في مختصر البويطى "  00" واعلم أن صاحب الشامل نقل قولا عن كتاب البويطي أن الكفاءة في الدين وحده " 0  وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/133) : ونقل بن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي 0
[61] - ص33-34 ، ومن المعالجات التي ذكرها الأساتذة الأفاضل أيضا :
- نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته بين الناس
- قيام السلطة الجديدة بمكافحة التمييز العنصري من خلال مختلف مؤسساتها
- مناقشة حملة الفكر المخالف لاقناعهم بتصحيح مفاهيمهم
- قيام الدعاة والخطباء والمعلمين بدورهم في توعية الناس
- قيام الهيئات العلمية والثقافية والأحزاب السياسية بدورها في مكافحة التمييز
- إقامة هيئة تعنى بمكافحة التمييز العنصري

0 التعليقات

إرسال تعليق

قوالب بلوجر معربة واحترافية مجانية