يتم التشغيل بواسطة Blogger.

طريقة تركيب قالب بلوجر

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

حكم زيارة النساء للقبور في المذهب الشافعي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين ، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين0        

تمهيد :

قال الإمام النووي في المجموع : " فاتفقت نصوص الشافعي والأصحاب علي انه يستحب للرجال زيارة القبور وهو قول العلماء كافة ؛ نقل العبدرى فيه إجماع المسلمين ودليله مع الإجماع الأحاديث الصحيحة المشهورة وكانت زيارتها منهيا عنها أولا ثم نسخ0 ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وزاد أحمد بن حنبل والنسائي في روايتهما :           " فزوروها ولا تقولوا هجرا" والهجر الكلام الباطل وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه واستشهرت معالمه أبيح لهم الزيارة واحتاط صلي الله عليه وسلم بقوله " ولا تقولوا هجرا " قال أصحابنا رحمهم الله ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره"[1]0
  وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح : عن حديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " " وزاد أبو داود والنسائي من حديث أنس فإنها تذكر الآخرة وللحاكم من حديثه فيه " وترق القلب وتدمع العين فلا تقولوا هجرا" أي كلاما فاحشا وهو بضم الهاء وسكون الجيم وله من حديث بن مسعود " فإنها تزهد في الدنيا " ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا " زوروا القبور فإنها تذكر الموت " قال النووي تبعا للعبدري والحازمي وغيرهما اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة كذا أطلقوا وفيه نظر لأن بن أبي شيبة وغيره روى عن بن سيرين وإبراهيم النخعي والشعبي الكراهة مطلقا حتى قال الشعبي : لولا نهي النبي صلى الله عليه و سلم لزرت قبر ابنتي 0 فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم 0 ومقابل هذا قول بن حزم أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به"[2]0
وقد حدد الإمام الشافعي – بناء على الأدلة – مقاصد الزيارة المشروعة بقوله : " فَأَمَّا إذَا زُرْت تَسْتَغْفِرُ لِلْمَيِّتِ وَيَرِقُّ قَلْبَك وَتَذْكُرُ أَمْرَ الْآخِرَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا أَكْرَهُهُ"[3]  فدل على أن غير تلك المقاصد مكروه عنده وغير مشروع  ولذلك نبه علماء المذهب على بعض المخالفات التي تقع عند الزيارة ؛ فمن ذلك ما نقله الإمام الشيرازي في المهذب : " وقال الفقهاء المتبحرون الخراسانيون : المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلا وجه الميت يسلم ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه فإن ذلك عادة النصارى  (قال) وما ذكروه صحيح لأنه قد صح النهى عن تعظيم القبور ولأنه إذا لم يستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة لكونه لم يسن مع استحباب استلام الركنين الآخرين فلأن لا يستحب مس القبور أولى والله أعلم"[4] 0
وقال الإمام النووي في المجموع : " لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ويكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر قاله أبو عبيد الله الحليمي وغيره 0 قالوا ويكره مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضره في حياته صلى الله عليه وسلم هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ولا يغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك0  فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم 0
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم " من عمل عملا ليس عليه عملنا فهو رد" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم" رواه أبو داود بإسناد صحيح
* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ما معناه : اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين 0 ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وكيف ينبغي الفضل في مخالفة الصواب"[5]0
  و قال الشيخ سليمان البجيرمي في تحفة الحبيب ؛ في بيان معنى حديث النهي عن زيارة القبور : " إِني كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتَهَا" لحدثان عَهْدَكُم بالكُفْرِ  ، وأما الآن فحيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى فزوروها بشرط أن لا يقترن بذلك تمسيح بقبر أو تقبيله أو سجود عليه أو نحو ذلك ، فإنه دأب النصارى ؛ قاله الغزالي . قال السبكي : فعل ذلك بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال"[6]  0
  ومن المنهي عنه اتخاذ القبور مساجد : وقد عقد الإمام الشيرازي في المهذب فصلا بعنوان:
فصل في المسجد على القبر : قال فيه " ويكره أن يبني على القبر مسجدا لما روى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إليه وقال " لا تتخذوا قبري وثنا فإنما هلك بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 0 قال الشافعي رحمه الله " وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس"[7]0  
 ويضيف الحافظ السيوطي " وكذلك مساجد تضاف إلى بعض الأنبياء والصالحين تم بناؤها على أنه رؤى في المنام هناك ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة ، تقصد لأجلها وتتخذ مصلى مكروه ، وإنما يفعل ذلك وأمثاله أهل الكتاب. وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد ، فهذه البقاع لا يعتقد لها خصيصة كائنة ما كانت، فإن تعظيم مكان لم يعظمه الله شر مكان ، وهذه المشاهد الباطلة إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله ، وتعظيماً لما لم يعظمه الله ، وعكوفاً على أشياء لم تنفع ولم تضر، وصداً للخلق عن سبيل الله، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسول الله 00 وقد يحكى عندها من الحكايات التي فيها تأثير مثل أن رجلاً دعا عندها فاستجيب ، أو نذر لها فقضيت حاجته ، أو نحن ذلك. وبمثل هذه الأمور كانت تعبد الأصنام ، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في الأرض[8].
 ومن ذلك التعظيم المنهي عنه النذر للقبر ، يقول الحافظ السيوطي عن ذلك  " فإن هذا نذر معصية باتفاق العلماء، لا يجوز الوفاء به، بل عليه كفارة يمين عند كثير من العلماء، منهم أحمد وغيره 00 وكذلك إذا نذر مالاً ما: دراهم، أو ذهباً، أو بقراً، أو جملاً، أو معزاً للمجاورين عند القبور، أو عند هذه الأماكن المنذور لها، ويسمون السدنة فهذا أيضاً نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الأصنام [9].
 ومن التعظيم المنهي عنه للقبور اتخاذها عيداً وهو الاجتماع عندها، واعتياد قصدها، فإن العيد من المعاودة[10] 0
" وعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها ويدعو، فقال: ألا أحدثك حديثاً، عن أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا عليّ؛ فإن صلاتكم عليّ تبلغني حيث كنتم " أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقري فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه 00 أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى  عن اتخاذه عيداً من المعاودة إليه ، فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان ، ثم إنه قرن ذلك بقوله: " ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً "[11] ، أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة ، فتكون بمنزلة القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى في التشبيه بهم[12].
  ثم ذكر نهي علي بن الحسين الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقال : " ثم إن أفضل التابعين من أهل البيت علي بن الحسين نهى عن ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره ، وبين أن قصده للدعاء ونحوه، اتخاذه عيداً، وكذلك ابن عمه الحسين بن الحسين شيخ أهل بيته كره أن يقصد قبره الرجل للسلام عليه ونحوه، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.
فانظر هذه السنة، كيف يخرجها أهل بيته، الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط[13] .
 ومن المنهي عنه عند بعضهم السفر لزيارة القبور، قال الإمام النووي: واختلف العلماء في شد الرحال وأعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره امام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره[14]0 وقال الحافظ ابن حجر : فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له لو ادركتك قبل أن تخرج ما خرجت واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة[15]0
وقال الشيخ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ في شرح البهجة : ( قَوْلُهُ : وَيُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ ) قَالَ فِي الْقُوتِ : وَالْأَشْبَهُ أَنَّ مَوْضِعَ النَّدْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَفَرٌ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَطْ ، بَلْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ[16] أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ لِذَلِكَ وَاسْتَثْنَى قَبْرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ا هـ . أَقُولُ : وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ[17]0
وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف : " ولكن قد نص إمام الحرمين[18] – ومثله القاضي حسين – على تحريم السفر لزيارة القبور ، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياش في ( إكماله) وهو من أفضل متأخري المالكية 0 وقام وقعد في ذلك الشيخ الإمام ابن تيمية ، وخطأه قوم وصوبه آخرون ، ومهما يكن من الأمر فليسعه ما وسع الجويني والقاضيين حسين وعياضا ، ولكنهم أفردوه باللوم ! والقول واحد"[19] 0
  وهناك موضوع وثيق الصلة بما تقدم وهو حكم زيارة النساء للقبور في المذهب الشافعي وفيما يلي محاولة لبيان المذهب في ذلك 0

مدخل في ذكر الأدلة التي تذكر في هذا الباب وحكمهم عليها :

1-       حديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت " رواه مسلم وللترمذي : " فإنها تذكر الآخرة " 0 قال العلامة ابن الملقن عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى : 804هـ): هَذَا الحَدِيث صَحِيح ، وَله طرق كَثِيرَة[20]  .         
   لكن هذا الحديث عندهم خاص بالرجال ولا تدخل فيه النساء بناء على ما قرروه في أصول الفقه من عدم دخول النساء في خطاب الرجال ففي التبصرة في أصول الفقه على مذهب الشافعي للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي " لا يدخل النساء في خطاب الرجال " ص44 0 فالحديث يذكر للتنبيه على اختصاص الحكم بالرجال وعدم دخول النساء فيه ؛ قال الإمام النووي في المجموع : " واختلف العلماء رحمهم الله في دخول النساء في قوله صلي الله عليه وسلم " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " والمختار عند أصحابنا أنهن لا يدخلن في ضمن الرجال "[21] 0 وفي حواشي الشرواني والعبادي (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها الخ) ولا تدخل النساء في ضمير الرجال على المختار[22]0
2- «أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زائرات الْقُبُور» .
قال العلامة ابن الملقن : هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق :
أَحدهَا : من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة ، عَن أَبِيه ، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه : «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زوارات الْقُبُور» . رَوَاهُ أَحْمد ، وَالتِّرْمِذِيّ ، وَابْن مَاجَه ، قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح . قلت : وَعمر هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم : صَدُوق ، وَلَا يحْتَج بِهِ . وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة : لَا يحْتَج بِهِ . وَوَثقَهُ غَيرهمَا ، وَصَححهُ ابْن حبَان ، وَلَفظه : «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زائرات الْقُبُور» . ، الطَّرِيق الثَّانِي : من حَدِيث حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعن زوارات الْقُبُور» رَوَاهُ أَحْمد ، وَابْن مَاجَه ، وَالْحَاكِم ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَفِي الْبَاب عَن حسان بن ثَابت ، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما .
الطَّرِيق الثَّالِث : من حَدِيث (أبي صَالح عَن) ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ : «لعن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - زوارات الْقُبُور ، والمتخذات عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج» . رَوَاهُ أَحْمد ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه ، وَاخْتلف كَلَام الْحفاظ فِي أبي صَالح هَذَا : هَل هُوَ باذام مولَى أم هَانِئ الضَّعِيف ، أَو ذكْوَان السمان الرواي عَن أبي هُرَيْرَة ، الثِّقَة المحتج بِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أم غَيرهمَا[23]  0
وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ - أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ "[24]  فأقر تصحيح ابن حبان للحديث  0
3- َفِي «صَحِيح مُسلم» من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت : «كَانَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - كلما كَانَت لَيْلَتهَا مِنْهُ يخرج من آخر اللَّيْل إِلَى البقيع ، فَيَقُول : السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين ، وأتاكم مَا توعدون ، غَدا (مؤجلون) ، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ، اللَّهُمَّ اغْفِر لأهل بَقِيع الْغَرْقَد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ : «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علمهَا هَذَا عِنْد زِيَارَة البقيع : السَّلَام عَلَى أهل الديار من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ ، وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ منا (والمستأخرين) ، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون»[25] 0
4- وَعَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مر بِامْرَأَة عِنْد قبر تبْكي عَلَى صبي لَهَا فَقَالَ لَهَا " اتقِي الله واصبري " فَقَالَت : وَمَا تبالي بمصيبتي 0 فَلَمَّا ذهب قيل لَهَا إِنَّه رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأَخذهَا مثل الْمَوْت فَأَتَت بَابه فَلم تَجِد عَلَى بَابه بوابين فَقَالَت يَا رَسُول الله لم أعرفك فَقَالَ " إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد أول صدمة أَو قَالَ عِنْد أول الصدمة الأولَى " قال العلامة : ابن الملقن مُتَّفق عَلَيْهِ0
5- عَن أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ، قَالَت : نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز ، وَلم يعزم علينا . قال الإمام النووي : مُتَّفق عَلَيْهِ[26] .
6- عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لنسوة جُلُوس : " مَا يجلسكن ؟ " قُلْنَ : نَنْتَظِر الْجِنَازَة . قَالَ : " فَهَل تغسلن ؟ " قُلْنَ : لَا . قَالَ : " تحملن ؟ " قُلْنَ : لَا . قَالَ: " فَهَل تدلين فِيمَن يُدْلِي ؟ " قُلْنَ : لَا . قَالَ : " فارجعن مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات " قال الإمام النووي : رَوَاهُ ابْن ماجة بِإِسْنَاد ضَعِيف ، من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سلمَان الْأَزْرَق ، وَهُوَ ضَعِيف[27]0
7- حَدِيث عبد الله بن عمرو بن العاص أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لفاطمة حينما راها قادمة : " مَا أخرجك ؟ " قَالَت : أتيت أهل هَذَا الْبَيْت فَتَرَحَّمت إِلَيْهِم ميتهم . قَالَ : " لَعَلَّك بلغت مَعَهم الكدى ؟ " قَالَت : معَاذ الله ، أَن أكون بلغتهَا وَقد سَمِعتك تذكر فِي ذَلِك مَا تذكر . فَقَالَ : " لَو بلغتهَا مَعَهم مَا رَأَيْت الْجنَّة حَتَّى يَرَاهَا جد أَبِيك " قال الإمام النووي :  رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ ، وَغَيرهمَا بِإِسْنَاد ضَعِيف . الكدى : الْمَقَابِر .[28]

أقوال الشافعية في المسألة :

   حصر الإمام النووي في المنهاج أقوال الشافعية في ثلاثة أقوال فقال :        " وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَقِيلَ تُبَاحُ"[29] فجعل الكراهة هي  القول المعتمد في المذهب وضعف القولين الآخرين  ؛ وقال العلامة تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام وهو يتحدث عن حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم :       " وأما سائر القبور فمحل الإجماع على استحباب زيارتها للرجال ، وأما النساء ففي زيارتهن للقبور أربعة أوجه في مذهبنا " والأربعة الأوجه هي : الكراهة والحرمة مطلقا والإباحة و الحرمة إن كانت لتجديد الحزن[30]00
وإليك تفصيل أقوال الشافعية محصورة في الأوجه الأربعة التي ذكرها العلامة السبكي :
1- القول بالكراهة من غير تحريم : وهو القول المعتمد في المذهب كما سبق ذكر ذلك عن الإمام النووي في المنهاج ؛ وقال الإمام النووي أيضا في المجموع : والذى قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه[31]0وقال العلامة السبكي في شفاء السقام عن هذا القول بأنه أشهرها وقال " جزم به الشيخ أبو حامد[32] ، والمحاملي ، وابن الصباغ ، والجرجاني ، ونصر المقدسي ، وابن أبي عصرون ، وغيرهم 0 وقال الرافعي : إن الأكثرين لم يذكروا سواه ، وقال النووي : قطع به الجمهور وصرح بأنها كراهة تنزيه"[33]0  
وفي مغني المحتاج ( وتكره ) زيارتها ( للنساء ) لأنها مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن لما فيهن من رقة القلب وكثرة الجزع وقلة احتمال المصائب[34]0
واستدل أصحاب هذا القول بحديث أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها المتفق عليه ، قَالَت : " نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز ، وَلم يعزم علينا " قال الحافظ السيوطي : ولم يعزم علينا أي ولم يحتم علينا فهي كراهة تنزيه لا نهي عزيمة وتحريم[35]0
   وفي إعانة الطالبين أنها تكره ولم تحرم لأنه صلى الله عليه وسلم مر بامرأة تبكي على قبر صبي لها فقال لها " اتقي الله واصبري" متفق عليه ؛ فلو كانت الزيارة حراما لنهي عنها 0ولخبر عائشة رضي الله عنها قالت قلت كيف أقول يا رسول الله تعني إذا زرت القبور[36]0
2 – القول بالتحريم مطلقا : قال الإمام الشيرازي في المهذب : ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله زوارات القبور "[37] 0
وقال الإمام العمراني في البيان : وأما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور لقوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله زوارات القبور "[38] ولم يذكر الشيرازي والعمراني – وهما من أقدم علماء المذهب -  قولا آخر غير التحريم ؛ فهل يدل هذا على أن أصل المذهب هو القول بالحرمة عند متقدمي علماء المذهب ؛ ثم دخلت عليه أقوال أخرى ؟ 00 لكن الإمام النووي يقول في  شرح المهذب : " وأما النساء فقال المصنف وصاحب البيان لا تجوز لهن الزيارة وهو ظاهر هذا الحديث ولكنه شاذ في المذهب[39]0.
واعترض على هذا الاستدلال بأن زوارات صيغة مبالغة فتحمل على المكثرات من الزيارة ، ويرد على الاعتراض بما جاء في حاشية السندي على ابن ماجه في شرح زوارات :
" قَالَ السُّيُوطِي بَضُمّ الزَّاي جَمْع زُوَّارَة بِمَعْنَى زَائِرَة[40] قِيلَ كَانَ ذَلِكَ حِين النَّهْي ثُمَّ أُذِنَ لَهُنَّ حَيْثُ نُسِخَ النَّهْي وَقِيلَ بَقِينَ تَحْت النَّهْي لِقِلَّةِ صَبْرهنَّ وَكَثْرَة جَزَعهنَّ قُلْت وَهُوَ الْأَقْرَب إِلَى تَخْصِيصهنَّ بِالذِّكْرِ وَفِي الزَّوَائِد إِسْنَاد حَدِيث حَسَّان اِبْن ثَابِت صَحِيح وَرِجَاله ثِقَات وَاَللَّه أَعْلَم[41] ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود والنسائي بلفظ "زائرات القبور"، فإنه يدل على أنه لا فرق بين الزائرات والزوارات، وأن الزوارات بمعنى الزائرات0
وقد أفاد كلام الحافظ السيوطي : أن النساء باقيات تحت النهي عن زيارة القبور ؛ فنسخ الحكم في حق الرجال وبقي في حق النساء 0
واستدل بعضهم على التحريم بحديثين ، لكنهما ضعيفان : قال الإمام النووي :  وأما الحديث المروى عن على رضي الله عنه قال " خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس قال ما تجلسن قلن ننتظر الجنازة قال هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدلين فيمن يدلي قلن لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات " رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من رواية إسماعيل بن سليمان الأزرق ونقل ابن أبى حاتم تضعيفه عن أعلام هذا الفن (وأما) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " لفاطمة رضي الله عنها ما أخرجك من بيتك قالت أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم قال لعلك بلغت معهم الكدى قالت معاذ الله أن أكون بلغتها وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر فقال لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتي يراها جد أبيك " فرواه أحمد بن حنبل وأبو داود والنسائي بإسناد ضعيف[42]0
3- مباحة غير مستحبة ولا مكروهة : والتعبير مأخوذ من قول العلامة السبكي في الشفاء : " والثالث : لا تستحب ولا تكره بل تباح ، قاله الروياني " 0
وفي الشرح الكبير للعلامة الرافعي نقل قولين في المسألة : الكراهة والإباحة ؛ وقال عن الثاني : قال الرويانى في البحر وهذا أصح عندي إذا أمن الافتتان[43]0
   ويستدل لهذا القول بحديث أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر بامرأة تبكى عند قبر فقال اتق الله واصبري " رواه البخاري ومسلم وموضع الدلالة أنه صلي الله عليه وسلم لم ينهها عن الزيارة وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كيف أقول يا رسول الله - يعنى إذا زرت القبور قال قولي السلام علي أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " رواه مسلم 0
وفي مغني المحتاج ( وقيل تباح ) جزم به في الإحياء وصححه الروياني إذا أمن الافتنان عملا بالأصل والخبر فيما إذا ترتب عليها بكاء ونحو ذلك[44]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : ويدل على الجواز ما رواه بن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال دعها يا عمر الحديث وأخرجه بن ماجة والنسائي من هذا الوجه ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة ورجاله ثقات[45] 0
4 - القول بالتحريم عند وجود الفتنة : قال العلامة السبكي في الشفاء :     " إن كانت لتجديد الحزن والبكاء بالتعديد والنوح على ما جرت به عادتهن فهو حرام ، وعليه يحمل الخبر ، وإن كانت للاعتبار بغير تعديد ولا نياحة كره ، إلا أن تكون عجوزا لا تشتهى ، فلا يكره ، كحضور الجماعة في المساجد ، قاله الشاشي 0
وفرق بين الرجل والمرأة بأن الرجل معه من الضبط والقوة بحيث لا يبكي ولا يجزع ، بخلاف المرأة "[46] 0
وفي إعانة الطالبين : أنه إذا ترتب على خروج النساء فتنة فلا شك في التحريم ويحمل على ذلك الخبر الصحيح " لعن الله زوارات القبور "[47]0
وفي تحفة الحبيب للبيجرمي : فلا يندب لهن زيارتها بل يكره كراهة تحريم إن اشتملت زيارتهن على تعديد وبكاء ونوح زيادة على عادتهن[48]0
وفي نهاية المحتاج : تحرم 00إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن أو كان فيه خروج محرم[49]0
     وهناك قول بالاستحباب لكنه قول محدث في المذهب من بعض المتأخرين ولم يذكره العلماء المتقدمون ولا الكتب المعتمدة   ففي مغني المحتاج : ومحل هذه الأقوال في غير زيارة قبر سيد المرسلين أما زيارته فمن أعظم القربات للرجال والنساء 0 وألحق الدمنهوري به قبور بقية الأنبياء والصالحين والشهداء وهذا ظاهر وإن قال الأذرعي لم أره للمتقدمين
قال ابن شهبة فإن صح ذلك فينبغي أن يكون زيارة قبر أبويها وإخوتها وسائر أقاربها كذلك فإنهم أولى بالصلة من الصالحين[50]اه
والأولى عدم إلحاقهم بهم لما تقدم من تعليل الكراهة[51] 0
وفي نهاية المحتاج : ومحل هذه الأقوال في غير زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هي فلا تكره بل تكون من أعظم القربات للذكور والإناث وينبغي أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك كما قاله ابن الرفعة والقمولي وهو المعتمد وإن قال الأذرعي لم أره للمتقدمين[52] 0
وفي النجم الوهاج في شرح المنهاج للعلامة الدميري : " نعم يستثنى من ذلك قبر سيد المرسلين ، فزيارته من أعظم القربات للرجال والنساء واستثنى بعض المتاخرين قبورالأولياء والصالحين والشهداء رضي الله عنهم[53]0
      وقد ضعفوا القول بالإباحة ؛ فمن أين جاء هذا القول بالاستحباب ؟!  نعم يستثنى من ذلك عندهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم 0 وأما زيارة غيره من الأنبياء عليهم السلام والأولياء والصالحين فلا يصح القول باستحبابها بل هو مردود لأمور :
1-    الأدلة المذكورة سابقا في قولي الكراهة والتحريم التي لا تخرج دلالتها على الحكم في المسألة عن أحد القولين : إما الكراهة وإما التحريم 0
2-     ما ذكره الحافظ السيوطي من بقاء النساء ضمن حكم الكراهة الذي لم يستثن منه إلا الرجال ؛ ولم تتجاوزه النساء 0
3-    تغير أحوال النساء وعدم التزامهن بالضوابط التي ينبغي عليهن الالتزام بها في خروجهن 0
4-    أنه قول يهدم الأقوال المعتبرة في المذهب : الكراهة والتحريم والإباحة 0
5-     ما سبق ذكره من كونه قول محدث في المذهب 0
6-     مخالفته لما قرروه من أهمية الأخذ بالاحتياط في الدين واستحباب الخروج من الخلاف ؛ وعلل الشيخ ابن السبكي استحباب الخروج من الخلاف بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين وهو مطلوب شرعا مطلقا فكان القول بأن الخروج من الخلاف أفضل ثابت من حيث العموم واعتماده من الورع المطلوب شرعا[54]0
7-    فيما يتعلق بقبور الأنبياء عليهم السلام فلم يحدد لنا الإسلام موضع قبورهم فضلا عن تخصيصها بالزيارة 0 فقد أقر العلامة السبكي بذلك في نقده لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ قال السبكي في شفاء السقام :" وأما قوله : إن الصحابة لما فتحوا الشام لم يكونوا يسافرون إلى زيارة قبر الخليل وغيره من قبور الأنبياء التي بالشام ، فلعله لأنه لم يثبت عندهم موضعها ، فإنه ليس لنا قبر مقطوع به إلا قبره صلى الله عليه وسلم 0 وأما قوله ولا زار النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك ليلة أسري به  فلعله لاشتغاله بما هواهم "[55] 0                           
 والشاهد من كلام العلامة السبكي إقراره بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزر قبور الأنبياء ؛ وكذلك صحابته رضوان الله عليهم مع قربهم من مواضعها ؛ وأن قبور الأنبياء عليهم السلام غير محددة 0 فلو كانت زيارة قبورهم مندوبة لحدد النبي صلى الله عليه وسلم  لنا مواضع قبورهم ولسبقنا هو بتلك الزيارة 0 وكذلك قبور الأولياء والصالحين لم تأت فيها أدلة خاصة باستحباب زيارتها ؛ وأما قياس قبورهم على قبره عليه الصلاة والسلام فلا قيمة له لأن قبره جاءت فيه أدلة خاصة عندهم باستحباب زيارته 0 ولا توجد علة جامعة بين منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة الأولياء والصالحين حتى يستقيم القياس 0 بل في تنزيلهم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم حط من منزلته  وغلو منكر، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في " الحكم الجديرة بالإذاعة " : كذلك المبالغة في تعظيم الشيوخ وتنزيلهم منزلة الأنبياء هو المنهي عنه"[56] .
8-     وفي غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري " أن الحظر مرجح على الإيجاب لأنه لدفع المفسدة والإيجاب لجلب المصلحة والاعتناء بدفع المفسدة أشد ، فالإيجاب على الكراهة للاحتياط ، فالكراهة على الندب لدفع اللوم"[57]  والشاهد أن الحظر والكراهة مقدمان على الندب فينبغي تقديم القول بحرمة أو كراهة زيارة النساء للقبور مطلقا على القول باستحباب زيارتهن لها على فرض أن ذلك القول له أدلة تسنده ؛ فكيف – والحال - أنه لا دليل عليه وهو قول محدث في المذهب من قبل بعض المتأخرين وقد يكون منشؤه بسبب التأثر بمذهب الصوفية 0
وقد تعرض الشيخ ابن حجر الهيتمي لهذه المسألة في كتابه الزواجر في   ( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ أَوْ السُّرُجِ عَلَى الْقُبُورِ ، وَزِيَارَةُ النِّسَاءِ لَهَا، وَتَشْيِيعُهُنَّ الْجَنَائِزَ ( أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ مُخْتَلَفٍ فِي اتِّصَالِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . ثم قال : كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي الثَّلَاثَةِ مُصَرِّحٌ بِكَرَاهَتِهَا دُونَ حُرْمَتِهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً ، فَلْيُحْمَلْ كَوْنُ هَذِهِ كَبَائِرَ عَلَى مَا إذَا عَظُمَتْ مَفَاسِدُهَا كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَقَابِرِ وَخَلْفَ الْجَنَائِزِ بِهَيْئَةٍ قَبِيحَةٍ جِدًّا ، إمَّا لِاقْتِرَانِهَا بِالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالزِّينَةِ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ خَشْيَةً قَوِيَّةً ، وَكَأَنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ الْغَصْبِ حِينَئِذٍ وَكَأَنْ يُسْرَفَ فِي الْإِيقَادِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهُ مِنْ التَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ، فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ عَدُّ هَذِهِ كَبَائِرَ ، نَعَمْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِحُرْمَةِ السِّرَاجِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مُقِيمٌ وَلَا زَائِرٌ وَعَلَّلُوهُ بِالْإِسْرَافِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ ، فَلَا يَبْعُدُ فِي هَذَا حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً[58] .   
والحمد لله أولا وآخرا0
                                               جمع وإعداد : عبدالله بريك
                                                    22/4/1433هـ
                                                    15/3/2012م


[1] - " المجموع شرح المهذب - (5 / 310)
[2] - " فتح الباري - ابن حجر - (3 / 148)
[3] - " الأم - (1 / 278)
[4] - " المهذب - (5 / 311)
[5] - " المجموع شرح المهذب - (8 / 275)
[6] - تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/  573)
[7] - " المهذب - (1 / 139-140) والذي في الأم (1/  278) قال الإمام الشافعي : وَأَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى على الْقَبْرِ مَسْجِدٌ وَأَنْ يُسَوَّى أو يُصَلَّى عليه وهو غَيْرُ مُسَوًّى أو يُصَلَّى إلَيْهِ ( قال ) وَإِنْ صلى إلَيْهِ أَجْزَأَهُ وقد أَسَاءَ أخبرنا مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَى دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ( قال ) وَأَكْرَهُ هذا لِلسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَأَنَّهُ كُرِهَ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي يُتَّخَذُ قَبْرُهُ مَسْجِدًا ولم تُؤْمَنْ في ذلك الْفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ على من يأتى بَعْدُ 0
[8] - الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 56)
[9] - الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 54)
[10] - الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 56) وقال الإمام الشوكاني في " شرح الصدور بتحريم رفع القبور (ص: 12) " لا تتخذوا قبري عيدا " أي: موسما يجتمعون فيه كما صار يفعله كثير من عباد القبور، يجعلون لمن يعتقدون من الأموات أوقاتا معلومة يجتمعون فيها عند قبورهم ، ينسكون لها المناسك ، ويعكفون عليها ، كما يعرف ذلك كل أحد من الناس من أفعال هؤلاء المخذولين 0
[11] - و في مسند الإمام أحمد " لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي " قال الشيخ شعيب الأرنؤوط عنه في التحقيق : إسناده حسن 0
[12] - الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 58)
[13] - الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 59)
[14] - شرح النووي على مسلم (9/  106)
[15] - فتح الباري - ابن حجر (3/  65)
[16] - َالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ َواَلَدُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ 0
[17] - " شرح البهجة الوردية - (6 / 137) ومؤلف البهجة هو العلامة عُمَرَ بْنِ مُظَفَّرِ الْوَرْدِيِّ
[18] - الصحيح أنه أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ َواَلَدُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كما تقدم من كلام الإمام النووي والحافظ ابن حجر والشيخ زكريا0
[19] -  انظر كتابه إدام القوت ص584-585 0، ويشير بقوله ولكنهم أفردوه باللوم إلى تحاملهم على شيخ الإسلام ابن تيمية وعدم إنصافهم له 0  
[20] - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير (5/  340)
[21] - " المجموع شرح المهذب - (5 / 311)
[22] -  (3 / 199)

[23] - " البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - (5 / 345-347)
[24] - " بلوغ المرام من أدلة الأحكام - (1 / 210)
[25] - المصدر السابق  - (5 / 350)
[26] - " خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام - (2 / 1004)
[27] -  المصدر السابق - (2 / 1004)
[28] - المصدر السابق - (2 / 1005)
[29] - " المنهاج للنووي - (1 / 86)
[30] - " شفاء السقام في زيارة خير الأنام " ص89
[31] - " المجموع شرح المهذب - (5 / 309)
[32]  -  الظاهر أنه أبو حامد الإسفراييني ؛ إذ المحاملي تلميذه والشيخ أبو حامد الغزالي مذهبه الإباحة كما سيأتي0
[33]-  " شفاء السقام في زيارة خير الأنام " ص89"
[34] - " - (1 / 365)
[35] - " شرح السيوطي على مسلم - (3 / 21)
[36] - - (2 / 142)
[37] - " المهذب - (1 / 139)
[38] - " البيان ج3ص124 
[39] -  " المجموع شرح المهذب - (5 / 310)
[40] - نبه على ذلك العلامة بكر أبو زيد عليه رحمة الله في " جزء في زيارة النساء للقبور" - (1 / 10) فقال : أن رواية: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور)) هي بمعنى زائرات لأن زُوَّارات بضم الزاي المعجمة كما قاله الجلال المحلي في ((شرح المنهاج)) والسيوطي - وأقره السندي, والمنذري, وصاحب ((تنقيح الرواة شرح المشكاة)) قال هؤلاء: الدائر على الألسنة ضم الزاي من زوارات, جمعه زُوار جمع زَائرة سماعاً, وزائر قياساً. وقيل زُوارات للمبالغة فلا يقتضي وقوع اللعن على وقوع الزيارة إلا نادراً. ونوزع بأنه إنما قابل المقابلة بجميع القبور, ومن ثم جاء في رواية أبي داود زائرات بلا مبالغة. انتهى .
 فعلى هذا الضبط فهي بمعنى زائرات لا للمبالغة كما ظنه كثير من طلبة العلم فصيغة المبالغة بفتح الزاي لا بضمها, كما أن الصيغة الدالة على النسب بالفتح أيضاً كقوله - عز وجل -: ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) وذلك معلوم عند أهل التصريف قال ابن مالك في ألفيته:
                                                فعَّال أو مِفعَال أو فعُول ** بكثرة عن فاعلٍ بديل
وقال في النسب:
                                          ومع فاعل وفعَّال فعل  ** في نسب أغنى عن اليا فقبل
فيكون معنى زوارات القبور - ذوات زيارة للقبور على أن الصيغة للنسب, فاتفقت الروايتان على منع النساء من زيارة القبور مطلقاً. وعلى هذا ليس في هذه الرواية دليل على جواز زيارة النساء للقبور إن لم تتكرر. كما يقول به بعض الناس, مع أن صحة رواية ((زائرات)) كما تقدم نص صريح في أن زوارات ليست للمبالغة. بل إما أن تكون هذه الصيغة على ما تقدم من أنها بالضم, وإما أن تكون للنسب توفيقاً بين الدليلين, فإن الجمع بين الدليلين متى أمكن فهو أولى من طرح أحدهما أو دعوى التعارض بينهما .
[41] - حاشية السندي على ابن ماجه - (3 / 349) 0
[42] -ا لمجموع شرح المهذب - (5 / 277-278)
[43] - " الشرح الكبير للرافعي - (5 / 249)
[44] - (1 / 365)
[45] - " فتح الباري - ابن حجر - (3 / 145)
[46] - " شفاء السقام في زيارة خير الأنام  ص89-90"
[47] - - (2 / 142)
[48] - " تحفة الحبيب على شرح الخطيب - (2 / 572)
[49] - (3 / 37)
[50] - وفي هذا نقض لكل ما قرره فقهاء المذهب المتقدمون 0
[51]- (1 / 365)
[52] - " - (3 / 37)
[53] - ج3ص113
[54] - " الأشباه والنظائر - (ص180)
[55] - " شفاء السقام في زيارة خير الأنام  ص 140-141"
[56] - " الحكم الجديرة بالإذاعة - (1 / 24)
[57] - " غاية الوصول شرح لب الأصول " ص257
[58] - " الزواجر عن اقتراف الكبائر - (1 / 432)

0 التعليقات

إرسال تعليق

قوالب بلوجر معربة واحترافية مجانية