يتم التشغيل بواسطة Blogger.

طريقة تركيب قالب بلوجر

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

هل يقع الشرك في جزيرة العرب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
هل يقع الشرك في جزيرة العرب ؟
جمع واعداد : عبدالله بريك
  الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آلة وصحبه أجمعين .
أما بعد :
          هناك خطأ في التعامل مع النص الشرعي يقع فيه بعض المنتسبين إلى العلم، وذلك عند نظرهم إلى ذلك النص بمعزل عن بقية النصوص الواردة في بابه ، فيؤدي بهم ذلك إلى استنتاجات غير صحيحة  فمن ذلك حديث « إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب » فقد استنتج البعض من الحديث عصمة أهل الجزيرة من الوقوع في الشرك مطلقاً : آحادهم وجماعتهم .
 وفي هذا البحث محاولة لفهم ذلك النص الشرعي ، تعتمد على أدلة صحيحة  وإجماع شرعي معتبر ، وتاريخ ثابت ، وإجابات عن استدلال المخالف ، ولوازم ــ لعلها ــ تلجئ المخالف إلى التسليم لعدم مقدرته على الانفكاك منها    
  وهذا البحث ليس لي فيه إلا جمع المادة المتفرقة في بعض الكتب ومحاولة التأليف بينها وتنظيمها وترتيبها حتى تبدو في نسق مترابط .
ملاحظة : بعض المصادر مأخوذة عن طريق المكتبة الإلكترونية الشاملة ؛ وترقيمها غير موافق للمطبوع ، وقد وضعت أمامها رمز ( ش ) 0
تمهيد :
         من الضوابط المهمة التي التزم بها أهل السنة في التعامل مع النصوص الواردة في الباب الواحد : الجمع بين تلك النصوص ، وإزالة التعارض ـ إن وجد ـ بين ظواهرها ، ويكون ذلك بطرق الجمع التي ذكرها العلماء مثل :
أ - رد العام إلى الخاص                          ب ـ رد المطلق إلى المقيد  
ج ـ رد المجمل إلى المبين                        د ـ رد المتشابه إلى المحكم
ثم الترجيح 0لكن لا يصح القول بالنسخ أو التوقف في مسائل الاعتقاد ، فالنسخ إنما يقع في الأحكام الشرعية الفقهية ، لا في المسائل الإعتقادية ، وكذلك التوقف ، فهو مشكل في مسائل الاعتقاد ، فالقول بتكافؤ الأدلة هو نوع من التوقف وهو معروف عن أهل الكلام المذموم 0[1]                                                                                          
  ومن مزايا عملية الجمع تلك : الإصابة في فهم النصوص ، وإزالة الالتباس الحاصل من النظر إليها متفرقة والعمل بجميع النصوص وعدم إهدار بعضها ما أمكن ، والسلامة من الوقوع في التناقض والإهتداء إلى الصراط المستقيم
     وخذ مثالاً على ذلك ، هناك طائفة تمسكت بحديث (( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة )) رواه مسلم ، فجعلت الإيمان مجرد اعتقاد لايجاوز القلب ، وأن ذلك وحده عاصم من العذاب وموجب لدخول الجنة وإن لم يلتزم صاحبه بالفرائض ويجتنب المحرمات . قال الإمام النووي عن الحديث السابق : (( وهذا لابد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة ؛ فلابد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهو يعلم ) إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة : أن مُظهِر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقوله ، وقد قيد ذلك في حديث آخر بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وهو غير شاك فيهما ) [2] 0

 عبدالله بريك


حقيقة عبادة الشيطان :
     إن مفهوم عبادة الشيطان يحتاج إلى تحديد وتعريف جامع لأن ذلك هو المدخل إلى الفهم الصحيح لدلالة الحديث ومراد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاهنا نقولات عن المفسرين ثم محاولة لاستخلاص تعريف جامع .
    قال الإمام الطبري في تفسير آية {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }يس60 « أن لاتعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله » [3]0
   وقال العلامة ابن عطية « عبادة الشيطان : طاعته والانقياد لأعوانه » [4]0
     وقال المفسر الفخر الرازي : ( لاتعبدوا الشيطان )معناه لاتطيعوه بدليل أن النهي عنه ليس هو السجود له فحسب ، بل الانقياد لأمره والطاعة له فالطاعة عبادة ) [5]0
 وقال العلامة ابن الجوزي في تفسير قوله تعالى {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}مريم44 أي لا تطعه في ما يأمر به من الكفر والمعاصي [6] 0
  وقال العلامة القرطبي : أي لاتطعه فيما يأمرك به من الكفر ، ومن أطاع شيئاً في معصية فقد عبده [7]0
 وقال العلامة ابن عطية : يحتمل أن يكون أبوه ممن عبد الجن ، ويحتمل أن يجعل طاعة الشيطان المُغْوي في عبادة الأوثان والكفر بالله عبادة له [8]0
وقال الشيخ ابن عاشور : « وعبادة الشيطان : عبادة مايأمر بعبادته من الأصنام ونحوها » [9]0
 وقد يكون القدر المشترك الذي يمكن أخذه من كلام العلماء السابقين في تعريف عبادة الشيطان هو : أنها طاعة الشيطان في عبادة الأوثان والكفر بالله ، أو طاعة أعوانه في ذلك .
  فكل ما يخرج الإنسان عن حد الإيمان من الشرك والكفر والنفاق الأكبر فهو حقيقة عبادة للشيطان . لكن هناك من العلماء السابقين من وسع المفهوم فادخل فيه طاعة الشيطان في المعاصي فكيف يستقيم هذا؟ لعلهم يقصدون بأن هذه عبادة دون عبادة أي عبادة غير مخرجة من الملة وقد يفهم هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الآتي : " كل من ترك الإيمان والتوحيد فلا يتركه إلا إلى كفر وشرك ، فإن النفس لا بد لها من إله تعبده ، فمن لم يعبد الرحمن عبد الشيطان ، فيقال عبادة الشيطان جنس عام وهذا إذا أمره أن يشتغل بما هو مانع له من الإيمان والتوحيد يقال عبده كما أن من أطاع الشيطان فقد عبده ولكن عبادة دون عبادة "[10] 0
   ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى عبدة الشيطان الذين عبدوه مباشرة دون واسطة وافتخروا بذلك في القديم والحديث ، ومنهم  اليزيديون في الماضي وعبدة الشيطان في الحاضر .
   فأما اليزيديون  فهم فرقة نشأت بعد سقوط الدولة الأموية ، وسموا بذلك نظراً لتقديسهم يزيد بن معاوية ثم أوغلت في الضلال فقدست إبليس اللعين ودافعت عنه ، وسمته ( طاووس الملائكة ) وصنعت له تمثالاً من نحاس وقدسته ، واعتقدت بأنه لم يطرد من الجنة ، وإنما نزل منها لرعاية الطائفة اليزيدية وقد اتفقوا مع غلاة الصوفية على القول بالحلول ووحدة الوجود ، وقد تأثروا أيضاً بالزرادشتية والشيعة والنصارى في عقائدهم وعباداتهم . وتوجد هذه الفرقة في العراق و سوريا وتركيا وإيران و روسيا ، وأكثرهم في العراق من أصول كردية [11] 0   
 وأما عبدة الشيطان المعاصرين فقد ظهروا في بعض الدول الغربية ، وهم يصرحون بتعظيم الشيطان وعبادته ، ولهم طقوس شيطانية خاصة ، وقد تأثر بهم بعض الأفراد في الدول الإسلامية وخصوصاً مصر  0                                                                                 

وقفة متممة ببيان معنى لفظتا الكفر والشرك :
  قال الإمام النووي رحمه الله : " الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك "[12] .
  و قال الحافظ في شرح حديث الكبائر  : "الإشراك بالله " يحتمل مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكر تنبيها على غيره ، ويحتمل أن يراد به خصوصيته إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا ًمن الإشراك وهو التعطيل لإنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد فيترجح الأول " [13]0
 وقال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله : " الكفر جحد الحق وستره ، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة 000أما الشرك فهو : صرف بعض العبادة لغير الله ، كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك ، أو يذبح لهم أو ينذر لهم ، ويطلق على الكافر أنه مشرك ، وعلى المشرك أنه كافر ، كما قال الله عز وجل : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) المؤمنون/117 ، وقال سبحانه : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ) المائدة/72 ، وقال جل وعلا في سورة فاطر : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ .إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) فاطر/13، 14 ، فسمى دعاءهم غير الله شركا في هذه السورة ، وفي سورة المؤمنون سماه كفراً .وقال سبحانه في سورة التوبة : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) التوبة/32، 33 ، فسمى الكفار به كفاراً ، وسماهم مشركين ، فدلَّ ذلك على أن الكافر يسمى مشركاً ، والمشرك يسمى كافراً ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم  ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْك الصَّلاةِ ) ، أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وقوله صلى الله عليه وسلم :         ( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه ، والله ولي التوفيق "[14].
  "وأجمع ما عرف به الكفر قول ابن حزم: وهو - أي الكفر - في الدين صفة من جحد شيئا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه ، أو بهما معا ، أو عمل عملا جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان «الاحكام1- 49 " 0      
  فبين - رحمه الله تعالى - أن الكفر الذي هو نقيض الإيمان ، لا يخرج عن أحد أمور أربعة مستخلصة من الأركان الأربعة التي تتشكل منها حقيقة الإيمان الشرعي 00 ، وهذه الأمور هي :
1-التكذيب(أو الشك) الذي يناقض تصديق القلب.
2- عمل قلبي كفري يناقض عملا من أعمال القلوب الإيمانية ، مثل البغض الذي يناقض المحبة.
3- قول لساني كفري يناقض شهادة أن لا إله إلا الله ، أو الامتناع عن النطق بالشهادتين لغير عذر شرعي.
4- عمل ظاهر من أعمال الجوارح مثل التولي عن طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو التشريع من دون الله تعالى ، أو ترك الصلاة على الصحيح ، وغير ذلك من الأعمال المناقضة لإيمان الجوارح القائم على الانقياد والخضوع "[15].

فطرة الله ودور الشيطان في تبديلها
  دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإنسان قد خلق على الفطرة ، قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30)  الروم 0
  وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ».
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الآيَةَ. رواه مسلم0             
  قال الحافظ ابن كثير في تفسير (وإذ أخذ ربك من بني آدم ذريتهم) يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [الروم:30 )[16]0
  وقال العلامة الشوكاني : الفطرة في الأصل : الخلقة والمراد بها هنا الملة وهي الإسلام والتوحيد 0 قال الواحدي: هذا قول المفسرين في فطرة الله والمراد بالناس هنا : الذين فطرهم الله على الإسلام لأن المشرك لم يفطر على الإسلام وهذا الخطاب وإن كان خاصا برسول الله فأمته داخلة معه فيه   قال القرطبي باتفاق من أهل التأويل : والأولى حمل الناس على العموم من غير فرق بين مسلمهم وكافرهم وأنهم جميعا مفطورون على ذلك لولا عوارض تعرض لهم فيبقون بسببها على الكفر كما في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ) وفي رواية ( على هذه الملة  ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ) ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } وفي رواية حتى تكونوا أنتم تجدعونها وسيأتي في آخر البحث ما ورد معاضدا لحديث أبي هريرة هذا فكل فرد من أفراد الناس مفطور : أي مخلوق على ملة الإسلام ولكن لا اعتبار بالإيمان والإسلام الفطريين وإنما يعتبر الإيمان والإسلام الشرعيان وهذا قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم وقول جماعة من المفسرين وهو الحق والقول بأن المراد بالفطرة هنا الإسلام هو مذهب جمهور السلف[17] 0
     وقال الشيخ الزرقاني " وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام قال ابن عبد البر : وهو المعروف عند عامة السلف  وأجمع علماء التأويل على أن المراد بقوله تعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) الإسلام  واحتجوا بقول أبي هريرة عند الشيخين في آخر الحديث اقرؤوا إن شئتم فطرة الله الآية  وبحديث عياض بن حماد عن النبي فيما يرويه عن ربه (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ) الحديث ورواه غيره فقال حنفاء مسلمين ورجح بقوله تعالى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله } لأنها إضافة مدح وقد أمر الله نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام 0
 وحكى ابن عبد البر عن الأوزاعي وسحنون ورواه أبو داود عن حماد بن سلمة أن المراد حين أخذ الله العهد فقال( ألست بربكم قالوا بلى )0 قال الطيبي : ويؤيده وجوه : أحدها : أن التعريف في الفطرة إشارة إلى معهود وهو قوله { فطرة الله } ومعنى { فأقم وجهك } أثبت على العهد القديم 0 ثانيها : مجيء رواية بلفظ الملة بدل الفطرة والدين في قوله { للدين حنيفا } فهو عين الملة قال تعالى { دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا }0 ثالثها :  التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس قال والمراد تمكن الناس من الهدي في أصل الجبلة والتهيؤ لقبول الدين فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها لأن حس هذا الدين ثابت في النفوس وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد انتهى 0
  وقال ابن القيم : ليس المراد أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين لأن الله يقول { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك فإنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلا بحيث يخرجان الفطرة عن القبول وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية فلو خلى وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في تأويل الرؤيا انتهى 0 وقيل الفطرة الخلقة أي يولد سالما لا يعرف كفرا ولا إيمانا ثم يعتقد إذا بلغ التكليف ، ورجحه ابن عبد البر وقال إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله حنفاء أي على الاستقامة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على الكفر دون ملة الإسلام ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى وقيل اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه وهو متعقب بما ذكر في الذي قبله00 قال ابن القيم : وسبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة أن القدرية احتجوا بالحديث على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام ولا يلزم من حملها عليه موافقة القدرية لحمله على أن ذلك يقع بتقدير الله ولذا احتج مالك عليهم بقوله ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) انتهى [18]0
    وأما معنى قوله تعالى (لا تبديل لخلق الله ) فقال العلامة الشنقيطي "المعنى على التحقيق لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر. فقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، خبر أريد به الإنشاء إيذانا بأنه لا ينبغي إلا أن يمتثل، حتى كأنه خبر واقع بالفعل لا محالة، ونظيره قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} الآية [2/197]، أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، "[19]
  وقال العلامة البغوي قوله : { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } فمن حمل الفطرة على الدين قال: معناه لا تبديل لدين الله، وهو خبر بمعنى النهي، أي: لا تبدلوا دين الله. قال مجاهد ، وإبراهيم : معنى الآية ألزموا فطرة الله، أي دين الله  واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك0[20]
   وتتم عملية التبديل تلك في الغالب بإتباع الشيطان والوالدين ؛ لكن الشيطان يقوم بالقسط الأكبر 0قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : "إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم".رواه مسلم وفي رواية لغير مسلم : حنفاء مسلمين وفي رواية أخرى : حنفاء كلهم 0
   وقال تعالى عن الشيطان (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً(118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً(119 ) 0
  قال العلامة الشنقيطي " بين هنا فيما ذكر عن الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض ، بقوله : {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [4/119]، كما بين كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في آيات أخر كقوله : {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [7/16]، وقوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} الآية [17/62]، 00000
و بين في آية أخرى أن ظنه هذا تحقق له ، وهي قوله : {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} الآية [34/20] ولم يبين هنا هل نصيب إبليس هذا هو الأكثر أو لا، ولكنه بين في مواضع أخر أنه هو الأكثر، كقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [13/1]، وقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [12/103]، وقوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ} [6/116]، وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [37/71]. وقد ثبت في الصحيح أن نصيب الجنة واحد من الألف والباقي في النار[21].
    قوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.قال بعض العلماء : معنى هذه الآية أن الشيطان يأمرهم بالكفر وتغيير فطرة الإسلام التي خلقهم الله عليها، وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ} [30/30]، إذ المعنى على التحقيق لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر[22].
   فإن قيل : كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب ؟ قال ابن عباس: إن إبليس قال : خلقت من نار وخلق آدم من طين والنار تحرق كل شيء      { لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً } فصدق ظنه عليهم 000 وجواب آخر وهو ما أجيب من قوله تعالى : { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } فأعطي القوة والاستطاعة ، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك ، فلما رأى أنه تاب على آدم وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة وقال :    { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } علم أن له تبعا ولآدم تبعا ؛ فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم ، لما وضع في يديه من سلطان الشهوات ، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين ، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في أعينهم تلك الشهوات ، ومدهم بالأماني والخدائع ، فصدق عليهم الذي ظنه ، والله أعلم.[23]
تنبيه : لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة مصدقة لظن إبليس هنا ، بينما في حديث يأس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب لم تدل النصوص والوقائع على صدقه في ظنه ذلك كما سيأتي 0






















النصوص الدالة على عودة عبادة الشيطان إلى جزيرة العرب :
   اقتضت حكمة الله تعالى خلق إبليس وجنود من الشياطين يساعدونه في دعوته ، بل وشياطين من الإنس أيضاً ، ومن أعظم الباطل الذي يدعو إليه : الشرك .
      وأول ما وقع الشرك في بني آدم في قوم نوح ، وقد تدرج الشيطان بهم حتى وقعوا في الشرك ، ولذلك بعث الله الرسل للدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك ، وحذر الرسل أتباعهم من الوقوع فيه ، ولذلك جاءت نصوص كثيرة منذرة بعودة عبادة الشيطان ومحذرة  للأمة من الوقوع في ذلك وتلك النصوص على قسمين :-نصوص صريحة ونصوص غير صريحة .

1) النصوص الصريحة :-
النص الصريح هو الذي لايحتمل إلا معنى واحداً . وهناك نصوص كثيرة جاءت على هذا النحو ، منها :
أ ) النصوص التي تدل على وقوع طوائف من هذه الأمة في الردة :                                         
1 - عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :     « إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها ..... الحديث، وفيه : ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان » .رواه : الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، وقال: صحيح 0 وفي رواية: ( لاتقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي  الأوثان ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم : "وهو على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وأصله في "صحيح مسلم ".ورواه البرقاني في "صحيحه"، ولفظه: « ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان » . ورواه الترمذي مختصرًا ، ولفظه: « لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان » وقال: "هذا حديث صحيح". ورواه ابن وضاح ، ولفظه: « لن تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد الأوثان » .
  وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  « لا تقوم الساعة حتى يرجع ناس من أمتي إلى أوثان يعبدونها من دون الله» .رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده".[24]
  جاء في عون المعبود ( حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ) " منها ما وقع  بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه " . "وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان "والفئام : الجماعات وأما الأوثان فقال الزبيدي " إنّ الصَّنَم ما كان له صُورَة جُعِلت تِمْثالاً . والوَثَنُ ما لا صُورَة له . قُلْتُ : وهو قَولُ اْبنِ عَرَفَة ، وقيل : إن الوَثَنَ ما كان له جُثَّةٌ من خَشَب أو حَجَر أو فِضَّة يُنْحَت و ( يُعْبَد ) ،  والصَّنَم الصُّورَة بلا جُثَّة . وقيل : الصَّنمُ : ما كان على صُورَة خِلْقَة البَشَر . والوَثَن : ما كان على غَيْرِها . كذا في شَرْح الدَّلائل . وقال آخَرُون : ما كَانَ له جِسْم أو صُورَة فصَنَمٌ ، فإن لم يَكُن له جِسْمٌ  أو صُورَةٌ فهو وَثَنٌ [25]. قال الشيخ الهندي إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي في شرح الحديث : " ويفهم من هذا الحديث أن الشرك نوعان : النوع الأول : أن يجعل لأحد تمثال ثم يعبد ، ويقال له في اللغة العربية        " صنم " والنوع الثاني : أن يخصص بيت أو شجرة ، أو حجر ، أو خشب ، أو قرطاس ، وينسب إلى أحد ثم يعبد ، ويجل ويعظم ، ويقال له في العربية  " وثن " ، ويدخل فيه القبر"[26]0
   وقال الحافظ السيوطي عند حديثه عن النهي من الصلاة في المقبرة :     " وإنما المقصود الأكبر بالنهي إنما هو مظنة اتخاذها أوثاناً. 0كما ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه من بعده من الناس[27]. وقد نص النبي على العلة بقوله: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " ويقول: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، فلا تتخذوا القبور مساجد، ولا تجلسوا عليها" الحديث المتقدم. وأخبر ( أن الكفار " كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة " فجمع ( بين التماثيل وبين القبور). وأيضاً فإن الّلات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك يلت السويق بالسمن ويطعمه للحاج، فلما مات عكفوا على قبره. وقد ذكروا أيضاً أن وداً ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسراً ، قوم صالحون كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أتباعهم : لو صورنا صورهم. فلما مات الأتباع ، وجاء بعدهم قوم آخرون ، أتاهم إبليس ، فقال: إنما كان أولئك يعبدونهم ، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم. وذكر ذلك محمد بن جرير الطبري بسنده. وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه. ولهذا تجد أقواماً كثيرة من الضالين يتضرعون عند قبر الصالحين، ويخشعون، ويتذللون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله المساجد، بل ولا في الأسحار بين يدي الله تعالى، ويرجون من الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال."[28]0
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة » رواه مسلم .ذو الخلصة : صنم لقبيلة دوس  والمراد باضطراب ألياتهن هو ركوبهن الدواب لزيارة الصنم ، أو اضطرب ألياتهن بسبب التزاحم عند الطواف حول الصنم المذكور [29] .
 قال الشيخ الفاضل أحمد المعلم : هذا حديث صحيح صريح [30]0 وقال الإمام النووي « أي يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام وتعظيمها »[31].
وقال الشيخ القسطلاني  « أي يكفرن ويرجعن إلى عبادة الأصنام » [32] . وقال الشيخ العيني : « حتى يكفرن ويرجعن إلى عبادة الأصنام » [33] .
وقال العلامة ابن الأثير « أراد لا تقوم الساعة حتى ترجع دوس عن الإسلام فتطوف نساؤهم بذي الخلصة وتضطرب أعجازهن في طوافهن كما كن يفعلن في الجاهلية » [34]0
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم  : ( بادروا  بالإعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع أحدكم دينه بعرض قليل من الدنيا ) رواه أحمد ومسلم والترمذي .
قال الإمام النووي : - «وهذا لِعِظَم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب» [35] 0
  وقال العلامة  البغوي : " قال الحارث الأعور: سمعت عليًا رضي الله عنه على المنبر يقول: إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به الجنة وإن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار ثم قرأ { يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوهٌ } الآية ثم نادى: هم الذين كفروا بعد الإيمان - وربِّ الكعبة."[36]0
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم { إذا جاء نصر الله و الفتح * و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا " رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه 0 ووافقه الحافظ الذهبي في التلخيص 0 وقد نقل ذلك الحافظ السيوطي في تفسير سورة النصر وأقره 0
5– روى الحافظ جعفر الفريابي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال   " ليكفرن أقوام بعد إيمانهم " فبلغ ذلك أبا الدرد اء ، فأتاه فقال : يا رسول الله بلغني أنك قلت : " ليكفرن أقوام بعد إيمانهم " ؟! قال :" نعم ولست منهم "  قال محقق الكتاب الشيخ أبي عبد الرحمن المصري[37] في تخريج الحديث : إسناده حسن [38] 0
6- عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله ( هو الذي أرسل رسوله ) إلى قوله ( ولو كره المشركون ) التوبة أن ذلك تام قال إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " رواه البخاري ومسلم 0
  قال العلامة ابن بطال : "هذه الأحاديث وما جانسها معناها الخصوص ، وليس المراد بها أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبًا كما بدأ ، وروى حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ) وكان مطرف يقول : هم أهل الشام ، فبين      ( صلى الله عليه وسلم ) في هذا الخبر خصوصه – أي تخصيصه - سائر الأخبار التي خرجت مخرج العموم ، وصفة الطائفة التي على الحق مقيمة إلى قيام الساعة أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع ، فبهذا تأتلف الأخبار ولا تتعارض"[39]                                                                                                                                 ب )  النصوص التي جاءت في ارتداد المنافقين ومنها :
- قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)المنافقون3، وفي الآية نص صريح على طروء الكفر بعد الإيمان .
- قوله تعالى : (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة66 0
- قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ) التوبة74 0
   وقد ذكر أهل التفسير والسير قصة ارتداد بعض المنافقين ، وأما البعض الأخر منهم فلم يدخل الإسلام قط في قلوبهم وإنما تظاهروا به .
   والنفاق والكفر باق في الجزيرة إلى خروج الدجال ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما في قصة الدجال ( إن المدينة ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق )0
ج ) النصوص التي تخبر بخروج أدعياء النبوة ومنها :
- قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله " رواه البخاري في كتاب الفتن . قال العلماء : والمراد بأدعياء النبوة الثلاثين هؤلاء الذي يثيرون فتنة ويتبعهم الناس أما الذي أدعوها ولم يأبه الناس لهم فكثير[40] 0
    وقد خرج من هؤلاء جماعة في زمن الصحابة والتابعين ، ففي عهد الصحابة ، خرج مسيلمة الكذاب والأسود العنسي ، وسجاح الكاهنة ، وفي عصر التابعين خرج المختار الثقفي ...
   وقد تبع هؤلاء خلق كثير فالأسود العنسي استولى على اليمن وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة وارتد معه خلق كثير حتى عامله المسلمون في اليمن بالتقية ، ومسيلمة الكذاب انحاز له بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة وطليحة الاسدي التفت حوله بنو أسد وطئ وبشر كثير أيضاً [41]0
د ) النصوص التي جاءت في خروج الدجال واتباع كثير من المسلمين له :               
  وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم شدة فتنة الدجال وإتباع الناس له ، ودخوله الجزيرة ماعدا مكة والمدينة ، وحذر أمته من مجرد الاقتراب منه ، والسماع له فقال : ( من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه ، مما يبعث به من الشبهات ) رواه أحمد وأبو داود .

  2- النصوص الغير صريحة :                                                                                           
 النص الغير صريح هو الذي يحتمل أكثر من معنى . ومما ينبغي ذكره هنا .. أن الاحتمالات الواردة على الأدلة ثلاثة أنواع : احتمال مرجوح واحتمال راجح واحتمال مساو.
 فالاحتمال الأول : لا اعتبار له والاحتمال الثاني يجب المصير إليه والتعويل عليه – والاحتمال الثالث فهو : الذي يسقط الاستدلال بذلك الدليل على ذلك الاحتمال المساوي وعليه : تتنزل قاعدة « إن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به » 0
   وأما إطلاق القاعدة على كل احتمال فباطل « فأنه لا يخلو دليل لا في الكتاب ولا في السنة إلا وقد أورد عليه احتمال إما من مهتد أو من مبطل ، ولو سُلم إطلاق هذه القاعدة لما صح لنا ولا لغيرنا أن يستدل بأي دليل أو يحتج بأي حجة لتطرق احتمال من الاحتمالات عليه ! وحينذاك يبطل الدين ، وتسقط الشعائر ، ويحصل للزنادقة ما أمّلوه ورجوه »  [42]0
وهذه بعض النصوص الممثلة لما سبق :-
أ ) النصوص التي جاءت في بيان إتباع هذه الأمة لسنن الأولين من اليهود والنصارى وفارس والروم ... ومنها :
- قوله صلى الله عليه وسلم : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا يارسول الله : اليهود والنصارى ؟  قال : فمن ؟ » رواه البخاري ومسلم .
    وقد خص الإمام النووي وتبعه بعض الشراح الإتباع هنا على مادون الكفر [43] لكن الكثير من أهل العلم قد رد ذلك ، لعدم وجود دليل على التخصيص بل الأدلة على العموم ومنها :-
1.  مجئ روايات أخرى من الحديث تؤكد معنى العموم ، منها ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الطبراني « لاتترك هذه الأمة شيئاً من سنن الأولين حتى تأتيه »[44] 0
  قال الحافظ : ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح « لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها » 0
« وفي صحيح البخاري لاتقوم  الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، فقيل يارسول الله كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك ؟»  0                                                   
 2 - تأكيد الخبر بأنواع التأكيدات : ومن ذلك اللام في قوله « لتتبعنّ» ونون التوكيد فيه . ثم قوله « حذو القذة بالقذة » « القذة هي ريش السهام » ثم مبالغته أشد المبالغة في وصف التشبه بهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلته هذه الأمة .
   قال الحافظ : « ودخول الجحر تمثيل للإقتداء بهم في كل شئ مما نهى عنه الشرع وذمه » [45]0وأكد العلامة الشاطبي على أن الحديث عام في المخالفات ، ويدل على ذلك من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :« حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم » [46].
  وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن قاسم بعموم الحديث لعبادة الأوثان وغير ذلك من أنواع الشرك ، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم « حذو القذة بالقذة » على ماتقدم وأن أمته لاتدع شيئاً مما كان يفعله اليهود والنصارى ألا فعلته كله لاتترك منه شيئاً [47] .
  والحديث خبر بمعنى النهي والمتبع ليس كل الأمة لحديث « لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين » وعلى هذا قد يخرج كلام الإمام النووي السابق بأنه يقصد عموم الأمة ؛ أنها لا تطبق على الكفر .
فائدتان :
الفائدة الأولى :ـ بين الإمام الشاطبي أن الإتباع في الحديث على ضربين :
الأول: إتباع في أعيان بدع الأولين ومثّل له بالحديث المتقدم ،فإنه قال فيه: حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم .
الثاني :- إتباع في أشباه بدع الأولين ، ومثّل له بحديث ذات أنواط ، فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة ، من دون الله ، لا أنه هو بنفسه [48]0
الفائدة الثانية :-
  أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن المتبعين هم اليهود والنصارى في رواية و في رواية أخرى بأنهم فارس والروم . فكيف الجمع بين الروايتين؟  « ويحتمل أن يكون الجواب اختلف بحسب المقام ، فحيث قيل : فارس والروم كان هناك قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية ، وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها » [49] .
ب ) حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما خرج إلى غزوة حُنَيْن مَرَّ بِشَجَرَة للمشركين كانوا يُعَلِّقُونَ عليها أسلحتَهُمْ ، يقال لها : ذاتُ أنواط، فقالوا : يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواطِ، كما لهم ذَاتُ أنواط، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : سبحان الله ! هذا كما قال قومُ موسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) ، والذي نفسي بيده: لَتركَبُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم» أخرجه الترمذي. وزاد رزين «حَذْوَ النعل بالنعل، والقُذَّة بالقُذَّة ، حتى إنْ كان فيهم من أتى أُمَّهُ يكون فيكم ، فلا أدري : أتعبدون العِجْل ، أم لا ؟».[شَرْحُ الْغَرِيبِ]أنواط : جمع نوط، وهو مصدر نطت به كذا وكذا انوط نوطا : إذا علقته به ، ويسمى المنوط بالنوط. القذة : ريشة السهم ، وجمعها قذذ ، وتكون أيضا متساوية الأقدار، تقص كل ريشة على قدر الأخرى.
 [قال الشيخ أيمن صالح شعبان] : إسناده صحيح: أخرجه الحميدي وأحمد والنسائي 0
وفي رواية سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان أن:« رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما خرج إلى خيبر...». وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح[50]. .
  وقد قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن تعليقاً على قوله تعالى ( إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) فظهر بهذا الحديث أن التعلق على الأشجار والأحجار وغيرها لطلب البركة بها شرك في العبادة كشرك عبادة الأصنام [51]0
 وأكد ما تقدم العلامة ابن باز رحمه الله ، فقال« ليس ما طلبوه من الشرك الأصغر ولو كان منه لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم نظير قول  بني  إسرائيل ( اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً )  وأقسم على ذلك بل هو من الشرك الأكبر كما أن ما طلبه بنو إسرائيل من الأكبر . وإنما لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بالإسلام ولأنهم لم يفعلوا ما طلبوه ولم يقدموا عليه بل سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل"[52].
  وعلق الشيخ المباركفوري على ( لتركبن سنة من كان قبلكم ) بقوله :     « والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتبهم [53]» 0
ج) قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري معلقاً « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر و الحرير والخمر والمعازف » ذكر ابن التين عن الداودي قال : « كأنه يريد بالأمة من يتسمى بهم ويستحل مالا يحل لهم ، فهو كافر إن أظهر ذلك ومنافق إن أسره » [54].
 وقال العلامة ابن العربي : " يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالاً ، ويحتمل أن يكون ذلك مجازاً على الاسترسال أي يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال " [55] .
د ) قوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ..... )
  قال ابن عباس : هذا أدب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتهديد لغيره ، وقال غيره : إنما خاطبه بذلك ليعرف من دونه أن الشرك يحبط الأعمال المتقدمة كلها ولو وقع من نبي[56] 0
 وبين الحافظ أن " الغرض هنا تشديد الوعيد على من أشرك بالله ، وأن الشرك محذر منه في الشرائع كلها و أن للإنسان عملاً يثاب عليه إذا سلم من الشرك ، ويبطل ثوابه إذا أشرك "[57]0
  ويؤكد العلامة القرطبي رحمه الله ما تقدم ؛ فيقول حاكياً قول علماء مذهبه  " وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته , لأنه عليه السلام يستحيل منه الردة شرعاً 0 وقال أصحاب الشافعي : بل هو خطاب النبي صلى الله عليه وسلم على طريق التغليظ على الأمة , وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم على شرف مرتبته لو أشرك لحبط عمله ،فكيف أنتم ؟! لكنه لا يشرك لفضل مرتبته "[58]0
  ويسير العلامة الشوكاني في نفس الاتجاه فيقول : " هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل لأن الله سبحانه عصمهم عن الشرك ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير والإنذار للعباد من الشرك لأنه إذا كان موجباً لإحباط عمل الأنبياء على الفرض والتقدير ؛ فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى " [59] .
 ولعل من هذا القبيل قول سيدنا إبراهيم عليه السلام : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) قال  العلامة ابن عطية : وهذا الدعاء من الخليل يقتضي إفراط خوفه على نفسه ؛ ومن حصل في رتبته فكيف  يخاف أن يعبد صنماً ؟ لكن هذه الآية ينبغي أن يقتدى بها في الخوف وطلب الخاتمة" [60] . وكان إبراهيم التيمي يقول : من يأمن البلاء بعد الخليل حين قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) كما عبدها أبي وقومي [61] .
 ولعل من هذا القبيل قول نبي الله يعقوب عليه السلام عند موته لأبنائه ( مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ) 0                                                                                                  هـ ) قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) المائدة54 0
  قال الشيخ ابن عاشور : وفي نزول هذه الآية في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إيماء إلى ما سيكون من ارتداد كثير من العرب عن الإسلام  مثل أصحاب الأسود العنسي ... ثم إلى ما كان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من ارتداد قبائل كثيرة [62].
و ) قوله تعالى : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف106 : قال العلامة الشوكاني : أي وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزّاق المحيي المميت (إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية . فإنهم مقرون بالله سبحانه وتعالى بأنه خالق لهم... ولكنهم كانوا يثبتون له شركاء يعبدونهم ليقربونهم إلى الله (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ... ) الزمر3 ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على مالا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى كما يفعله كثير من عباد القبور ولا ينافي هذا ما قيل أن الآية نزلت في قوم مخصوصين ، فالإعتبار بما يدل عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص بمن كان سبباً بنزول الحكم [63] .
  وذكر العلامة القرطبي قول عطاء : هذا في الدعاء وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ... وقيل معناها : أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة فإذا أنجاهم قال قائلهم لولا فلان ما نجونا .. قلت : وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين ولاحول ولاقوة إلا بالله العليم العظيم [64].
  وروى الإمام البخاري في صحيحه تعليقا  : قال عكرمة { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } / يوسف 106 / . { ولئن سألتهم من خلقهم } / الزخرف 87 / . و { من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } / الزخرف 9/0  فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره 0
وقد وصل الحافظ ذلك الأثر فقال : وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم ثَنَا أبي ثَنَا عبد الله بن صَالح بن مُسلم الْعجلِيّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله { وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون } تَسْأَلهُمْ من خلقهمْ وَمن خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَيَقُولُونَ الله فَذَلِك إِيمَانهم وهم يعْبدُونَ غَيره[65]0
  وقال الحافظ السيوطي : وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء - رضي الله عنه - في قوله ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال : كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم وكانوا مع ذلك يشركون 0
 وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال : إيمانهم قولهم : الله خلقنا وهو يرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره[66]0
 ويؤكد العلامة البغوي ما تقدم فيقول" فكان من إيمانهم إذا سُئِلُوا: مَنْ خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، وإذا قيل لهم: مَنْ ينزل القطر؟ قالوا: الله، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام ويشركون.
وعن ابن عباس أنه قال: إنها نزلت في تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون في تلبيتهم ، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك[67]  .
  قال العلامة  الطبري : وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء = الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله:( وكأين من آية في السموات والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون ) = بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء =( إلا وهم مشركون)، في عبادتهم الأوثان والأصنام ، واتخاذهم من دونه أربابًا ، وزعمهم أنَّ له ولدًا ، تعالى الله عما يقولون[68].
 ويزيد العلامة ابن الجوزي الأمر وضوحا ببيان أن المقصودين بالآية : " فيهم ثلاثة أقوال : أحدها أنهم المشركون ثم في معناها المتعلق بهم قولان أحدهما أنهم يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به رواه أبوصالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة والثاني أنها نزلت في تلبية مشركي العرب كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك رواه الضحاك عن ابن عباس 0 والثاني أنهم النصارى يؤمنون بأنه خالقهم ورازقهم ومع ذلك يشركون به رواه العوفي عن ابن عباس 0 والثالث أنهم المنافقون يؤمنون في الظاهر رئاء الناس وهم في الباطن كافرون قاله الحسن[69]0
  وقال العلامة ابن كثير : قال ابن عباس : من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم : من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال ؟ قالوا الله وهم مشركون به 0 وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك         وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم[70]0
 ويتوسع العلامة الجصاص في تفسير الآية فيقول : " روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة( وما يؤمن أكثرهم بالله ) في إقرارهم بأن الله خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوثن 0 وقال الحسن هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان وقيل ما يصدقون بعبادة الله إلا وهم يشركون الأوثان في العبادة وقد دلت الآية على أن مع اليهودي إيمانا بموسى وكفرا بمحمد ص - لأنها قد دلت على أن الكفر والإيمان لا يتنافيان من وجهين مختلفين فيكون فيه كفر من وجه وإيمان من وجه إلا أنه لا يحصل اجتماعهما على جهة إطلاق اسم المؤمن واستحقاق ثواب الإيمان لأن ذلك ينافيه الكفر وكذلك قوله ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) قد أثبت لهم الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض آخر فثبت بذلك جواز أن يكون معه كفر من وجه وإيمان من وجه آخر وغير جائز أن يجتمع له صفة مؤمن وكافر لأن صفة مؤمن على الإطلاق صفة مدح وصفة كافر صفة ذم ويتنافى استحقاق الصفتين معا على الإطلاق في حال واحدة[71]0                                                                   وتشبه الآية السابقة هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الأنعام82  0وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك ، فدل على جواز اجتماعهما مع الإيمان في الشخص الواحد . قال الحافظ ناقلاً رد الطيبي على من زعم أن لفظ اللبس يأبي تفسير الظلم هنا بالشرك معتلاً بأن اللبس : الخلط ولا يصح هنا لأن الكفر والإيمان لايجتمعان فأجاب بأن المراد بالذين أمنوا أعم من المؤمن الخالص وغيره .. وأما معنى اللبس فلبس الإيمان بالظلم : أن يصدّق بوجود الله ويخلط به عبادة غيره ويؤيده قوله تعالى : (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف106 [72]
ز ) النصوص التي تتحدث عن الكبائر وأن أعظمها الإشراك بالله واهتمام العلماء بها وألف بعضهم كتباً مستقلة عنها ، وذلك لتحذير الأمة من الوقوع فيها  ففي الحديث "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " قالوا : بلى  " الإشراك بالله  " قال الحافظ : "الإشراك بالله " يحتمل مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكر تنبيهاًعلى غيره ، ويحتمل أن يراد به خصوصيته إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا ًمن الإشراك وهو التعطيل لإنه نفي مطلق والإشراك اثبات مقيد فيترجح الأول"[73]
  ويوضح الشيخ المناوي معنى الإشراك فيقول  :" بأن يتخذ معه إلها غيره وخصه لأنه الأغلب في بلاد العرب حالتئذ والمراد الكفر بإشراك أو بغيره"[74]    ح ) روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين ؛ والإمام مسلم في باب : هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " قال رجل يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " 0 قال العلامة العيني " الإساءة في الإسلام الارتداد عن دينه قوله أخذ بالأول أي بما عمل في الكفر قوله والآخر أي بما عمل في الإسلام "[75]        وقال الحافظ بعد أن ذكر بعض الأقوال "والأولى قول غيره إن المراد بالإساءة الكفر لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي فإذا ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه والى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأورد كلا في أبواب المرتدين   ونقل بن بطال عن المهلب قال معنى حديث الباب من أحسن في الإسلام بالتمادي على محافظته والقيام بشرائطه لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أي في عقده بترك التوحيد أخذ بكل ما أسلفه 0 قال بن بطال فعرضته على جماعة من العلماء فقالوا لا معنى لهذا الحديث غير هذا ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية قلت وبه جزم المحب الطبري ونقل بن التين عن الداودي معنى من أحسن مات على الإسلام ومن أساء مات على غير الإسلام "[76]0 ونقل العلامة عمر بن علي الشافعي المعروف بابن الملقن ما نقله الحافظ عن المهلب[77]0
ط)سوء الخاتمة : جاء التحذير من ذلك في النصوص الشرعية 0وسبب الخوف من ذلك يرجع إلى ثلاثة أشياء : 
   1 – أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء ، ففي الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به  فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم قال: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها "  0 قال العلامة محمود عبدالله الآلوسي : " والروايات بمعنى ذلك كثيرة وهي تدل على جواز عروض الكفر بعد الإيمان بطرو الشك مثلاً والعياذ بالله ، وفي كلام الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً ما يدل على ذلك ؛ فقد أخرج ابن سعد عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول : أي رب لا أزنين ، أي رب لا أسرقن ، أي رب لا أكفرن 0 قيل له : أو تخاف ؟ قال : آمنت بمحرف القلوب ثلاثاً 000 ثم ذكر قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه  لأحدهم  : إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنا قد نزعته إذ لبسته ، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته "0 0 " وادعى بعضهم أن هذا بالنسبة إلى الإيمان الغير كامل وما رجع من رجع إلا من الطريق ، وأما بعد حصول الإيمان الكامل  والتصديق الجازم والعلم الثابت المطابق فلا يتصور رجعة وكفر أصلاً لئلا يلزم انقلاب العلم  جهلاً وهو محال والتزم تأويل جميع ما يدل على ذلك ، ولا يخفى أن هذا القول مما يكاد يجر إلى الأمن من مكر الله تعالى ، والتزام تأويل النصوص لشبهة اختلجت في الصدر هي أوهن من بيت العنكبوت في التحقيق مما لا يقدم عليه من له أدنى مسكة كما لا يخفى فتدبر "[78]0 ثم نقل عن بعضهم أن الأمن من سوء العاقبة إنما هو خاص بالمرسلين لأن الله آمنهم من ذلك (إني لا يخاف لدي المرسلون ) وعقب على ذلك بقوله " وظاهر الآثار يقتضي أنهم - عليهم السلام - كانوا يخافون من ذلك 0 فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يكثر أن يقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " 0 فقالت عائشة رضي الله عنها يوماً : يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد يقلب قلب عبده 0 وظاهر بعض الآيات يقتضي ذلك أيضاً مثل قوله تعالى (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) وكون الله تعالى أمنهم من ذلك إن أريد به ما جاء في ضمن تبشيرهم بالجنة فقد صح أن المبشرين بالجنة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يخافون من سوء الخاتمة مع علمهم ببشارته تعالى إياهم بالجنة ، ويعلم منه أن الخوف يجتمع مع البشارة ، ولا يلزم من ذلك عدم الوثوق به عز وجل 00 وإن أريد به ما اقتضاه جعله تعالى إياهم معصومين من الكفر ونحوه ورد أن الملائكة عليهم السلام جعلهم الله تعالى معصومين من ذلك أيضاً وهم يخافون "[79] 0
  2– المعاصي بريد الكفر : وهو قول مأثور عن السلف قال ابن دقيق العيد : فالصغيرة تجر الكبيرة ، والكبيرة تجر الكفر ،وكما روي [ المعاصي بريد الكفر ] [80]0 وقال الإمام النووي: المعاصي بريد الكفر أي تسوق إليه[81]0 قال الإمام ابن رجب : إن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية  وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة[82] 0                                               
3– عدم العصمة : قال العلامة العيني عن السلف الصالح : إنهم كانوا خائفين سوء الخاتمة لعدم العصمة[83] 0                                                 ي) أحاديث الذود عن الحوض : منها « ليرد ن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولن  أي رب: أصيحابي أصيحابي فليقالن لي : إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك » رواه مسلم 0 قال الإمام النووي : وأما أصيحابي فوقع في بعض الروايات مصغراً مكرراً وفي بعض النسخ أصحابي أصحابي مكرراً مكبراً : قال القاضي : هذا دليل لصحة تأويل من تأول أنهم أصحاب الردة ، ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم . قال وقيل هؤلاء صنفان : أحدهما : عصاة مرتدون عن الإستقامة لاعن الإسلام . وهؤلاء مبدلون للأعمال الصالحة بالسيئة .
والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين [84]0
  ونقل الحافظ في التعليق على ما جاء في أحد الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم « لم يزالوا مرتدين على أعقابهم » قال قبيصة : هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم .. قال الخطابي : لم يرتد من الصحابة أحد وإنما أرتد قوم من جفاة الأعراب . وقال النووي : قيل هم المنافقون والمرتدون ، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من أجل السيماء التي عليهم فيقال أنهم بدلوا بعدك . ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة : أنهم من أرتد بعده صلى الله عليه وسلم [85] 0
ك ) دلالة الدعاء بالتعوذ من الشرك على وقوعه في هذه الأمة إذ لو كان مستحيل الوقوع فلا فائدة من الدعاء 0 فمن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر 0
 قال العلامة المباركفوري : " (من الكفر) : أي من أنواعه  "[86]0
  وقال الشيخ المناوي : "والقصد باستعاذته من الكفر مع استحالته من المعصوم أن يقتدى به في أصل الدعاء"[87] 0
  ومن الأدعية التعوذ من فتنة المحيا ، قال الحافظ ابن رجب  : " ففتنة المحيا تدخل فيها فتن الدين والدنيا كلها، كالكفر والبدع والفسوق والعصيان"   0 ومن ذلك التعوذ من شر الشيطان وشركه في أذكار الصباح والمساء ففي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء  و السيوطي في الجامع الصغير ( أعوذ بك من شرنفسي وشر  الشيطان وشركه 00 )  قال في مرعاة المفاتيح  :  "وشِرْْْْكه : بكسر السين ، روي على وجهين  أظهرهما وأشهرهما بكسر السين مع إسكان الراء  أي: ما يدعو إليه الشيطان من الإشراك بالله 0 والثاني : بفتح الشين والراء : أي حبائله ومصائده التي يفتتن الناس بها" [88] 0
ل ) حديث النبي صلى الله عليه وسلم " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير؛ عشر مرات كتب الله له عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " قال المحدث الألباني : حسن لغيره 0 والحديث رواه الترمذي واللفظ له وقال حديث حسن غريب صحيح ؛ والنسائي وزاد فيه بيده الخير ،  وزاد فيه أيضا وكان له بكل واحدة قالها عتق رقبة مؤمنة "[89]   " لم ينبغ " أي لم يجز ، و في رواية أحمد " لم يحل أن يدركه" أي يهلكه ويبطل عمله  "إلا الشرك بالله " أي إن وقع منه "[90]   0                                                                                                          م ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن "    قال المحدث الألباني : صحيح[91]0 قال ملا علي قاري " فيغفر لجميع خلقه المتصف بذنبه المعترف بتقصيره وعيبه إلا المشرك أي كافر بأي نوع من الكفر فإن الله لا يغفر أن يشرك به "[92]0
ن ) قال النبي صلى الله عليه وسلم « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ...» رواه مسلم .
قال القاضي : وظاهر الحديث العموم ، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس  وقلة ، ثم أنتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لايبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً كما بدأ [93] 0  وقال الحافظ عن الصحابة  " كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم قال فكذلك أواخرهم "[94]    0      





















حوادث التاريخ
 منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, بدأت حالات الارتداد عن الدين وإلى يومنا هذا ، بل في حياته - صلى الله عليه وسلم – قد وقعت بعض الحالات , وقد ذكرت كتب الحديث والسيرة والتاريخ نماذج مما وقع ؛ منها :
  1- ردة أهل النفاق : ومن المعلوم تاريخياً أن المنافقين على صنفين : الصنف الأول الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم أصلاُ, وإنما تظاهروا بالإسلام بعد ظهور قوته في المدينة.
والصنف الثاني : الذين دخلوا في الإيمان ثم ارتدوا ، وقد ظهر هؤلاء في بعض الحوادث المهمة ومنها :
- عند تحويل القبلة : « وكانت هذه الحادثة سبباً لافتتان بعض المسلمين الذين ضعفت قلوبهم فارتدوا على أعقابهم »[95]0
2- حادثة ارتداد عبيد الله بن جحش الذي أسلم وهاجر مع زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ، ثم تنصر ومات على ذلك [96]0
3- حادثة ارتداد عبد الله بن خطل وقد كان مسلماً ثم ارتد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ... [97]         
4 - حادثة ارتداد مقيس بن صبابة ورجوعه إلى قريش مشركاً ومقتله بعد ذلك على الشرك [98]0
5 - حادثة ارتداد عكل وعرينة وقد ذكرها البخاري في كتاب المغازي من حديث أنس التي وصفهم فيها بأنهم كفروا بعد إسلامهم . كما ذكرها في كتاب استتابة المرتدين وفيها ذكر قول أبي قلابة : هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله .
6  - حادثة الردة المشهورة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ارتد أكثر العرب .
  قال ابن كثير « عن عائشة رضي الله عنهما : لما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق ... وصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم معزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة  [99] 0  
  وقد نقل الحافظ بأن المرتدين على ثلاثة أصناف : صنف عادوا إلى عبادة الأصنام ، وصنف اتبعوا أدعياء النبوة وصنف استمر في الإسلام ولكنهم جحدوا الزكاة [100] ، وقد أقر الحافظ ذلك ، كما أقره غيره من العلماء والمؤرخين ، وممن نقل ذلك مقراً له صالح بن علي الحامد في كتابه تأريخ حضرموت [101] 0
7  - ظهور أدعياء النبوة واتباع بعض الناس لهم .
8  - حادثة ارتداد أم قرفة وإقامة الحد عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه [102]0
9  -   حادثة ارتداد بعض المغالين في الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنها الذين قالوا له أنت أنت الله ، فحرقهم بالنار[103] 0 ونقل الحافظ قولاً آخر في حقيقة هؤلاء المحرقين فقال : كان هناك أناس يعبدون الأصنام في السر[104]0
10 -   حادثة ارتداد اليهودي الذي أسلم ثم تهود وقد شاهده معاذ بن جبل موثّقاً عند أبي موسى الأشعري فقال له : ماهذا ؟ قال : كان يهودياً فأسلم ، ثم تهود [105]0
11  -  ظهور دعوة القرامطة وانتشارها في الجزيرة وكان مقر ملكهم البحرين ، وقد أجمع العلماء والمؤرخين على كفرهم ، ووصل من كفرهم أنهم أغاروا على مكة فقتلوا الحجيج واقتلعوا الحجر الأسود من موضعه واحتملوه إلى مقرهم ومكث عندهم بضع وعشرين سنة [106]0
12  -  ظهور الدعوة الاشتراكية في جنوب اليمن وانتشارها حتى كونت لها دولة دامت مدة من الزمن وقد تبنى بعض اتباعها عقائد تناقض الإسلام.

وقفات مع استدلال المخالف
   استدل المخالف على عدم وقوع الشرك في جزيرة العرب بحديثين :
الحديث الأول :
       هو قول النبي صلى الله عليه وسلم « إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم » رواه مسلم . وفي رواية الصحيحين : " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"0والحديث قد  رواه أيضاً الإمام أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه ولفظه « إلا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم فيرضى بها » وللحديث روايات أخرى في المعنى ذاته انظرها مع تخريجها في كتاب العلامة بكر أبو زيد « خصائص جزيرة العرب » ص27 وما بعد 0
دلالة الحديث :   هناك احتمالان في دلالة الحديث :
الاحتمال الأول :
  إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يأس الشيطان مخبراً عن حاله حين رأى انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا ، لكن ذلك ليس على سبيل الإقرار له ، وعلى هذا فليس في الحديث دلالة على عدم الوقوع في المستقبل
وهذا كان أحد التوجيهات التي وجه بها العلامة السنوسي [107] الحديث فقال : أو يقال إن ذلك إلاياس إنما هو من الشيطان ولا يضره عدم صدقه في الإياس 0 وهذا هو الوجه الذي ذكره في الجواب عن الحديث العلامة عبد الله ابابطين وقال : في الحديث نسبة الإياس إلى الشيطان مبنياً للفاعل ، لم يقل أيس بالبناء للمفعول[108] 0 وهو من الأوجه التي ذكرها في الجواب عن الحديث الشيخ عبد الرحمن بن قاسم فقال : أن يأسه غير معصوم [109] 0
  وقد حمل الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – الحديث على هذا المعنى فقال : يأس الشيطان أن يعبد لا يدل على عدم الوقوع لأنه لما حصلت الفتوحات وقوي الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا أيس أن يعبد سوى الله في هذه الجزيرة ، فالحديث خبر عما وقع في نفس الشيطان ذلك الوقت ولكنه لا يدل على انتفائه في الواقع[110]0
  وممن قوى هذا القول : الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي فقال: « ما ملخصه» : إن يأس المخلوق – ولو كان صالحاً – لا يدل على انتفاء مايئس منه بل ربما كان ما يئس منه اقرب من شراك نعله ، قال سبحانه   « حتى إذا استيأس الرسل ... » وهذا من قصور البشر وعدم علمهم بالغيب إلا ما أظهرهم الله عليه ثم استدل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وأبن ماجه « ضحك ربنا من قنوط عباده وقُرْب غِيَره » ( الغير: سقيا الله عزوجل لعباده بالإمطار ) [111]0
 وهذا كان أحد الوجوه التي حمل عليها شيخنا الفاضل  أحمد المعلم – حفظه الله – الحديث ، فقال( ما ملخصه ) إن يأس الشيطان ليس بدليل أصلاً وهو لاشك مخلوق معرّض لسوء التقدير وخلف الظن و طروء سائر مايطرأ على المخلوقين من أمل ويأس ولا يلزم أن يتحقق كل مايطرأ عليه ، وما يأسه هنا إلامن هذا القبيل أيس في ذلك الوقت ثم عاد إليه الأمل منذ أن أوشك الرسول صلى الله عليه وسلم على الرحيل وتحقق له شئ مما أمله عل يد مسيلمة الكذاب وغيره من المرتدين [112]0
  ومما يقوي هذا الفهم ما جاء في تأويل بعضهم لقوله تعالى ( فلما أستيأس الرسل ) من أن أتباع الرسل يئسوا  من حصول النصر ، ومع ذلك جاءهم النصر قريباً [113]0
  وما جاء في تفسير قوله تعالى (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة13 ، قال العلامة  ابن كثير : فيه قولان : أحدهما كما يئس الكفار من أصحاب القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك لأنهم لايعتقدون بعثاً ولا نشورا[114]0
الاحتمال الثاني :
 إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يأس الشيطان مقراً له على ذلك ، وفي هذه الحالة إقراره حجة شرعية .
وعلى هذا الاحتمال فهناك تسعة أقوال في توجيه الحديث :
القول الأول :
   بحمل الحديث على حالة عامة وهي أن تجتمع الأمة على الشرك فالمصلون لفظ عام ، وعلى هذا فلا يمتنع أن يقع في ذلك طوائف من الأمة تقل أو تكثر ، وقد يرشد إلى هذا ما جاء في شرح الإمام النووي فإنه قال : أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب [115]0 وهذا هو المنقول عن الحافظ ابن رجب فإنه قال : المراد أنه يئس أن تجتمع الأمة كلها على الشرك الأكبر .[116]
    وهذا كان أحد الأوجه التي ذكرها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في الإجابة عن الحديث فقال : ومنها أنه يئس أن تطبق على عبادة الأصنام[117] 0 وهذا كان أحد الأوجه التي ذكرها شيخنا أحمد المعلم حفظه الله [118]0  ويقوي هذا الوجه ماسبق ذكره من الأدلة الدالة على وقوع الكفر والشرك في هذه الأمة  وكذلك ماوقع من حوادث تاريخية .
القول الثاني :                                                                                                         
  بحمل لفظ المصلين على أناس مخصوصين وهم الصحابة رضي الله عنهم
  يقول العلامة محمود شكري الآلوسي :( ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون « أل » للعهد ، وأن يراد بها الكاملون فيها ... وهم خير القرون ، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث  « ولكن في التحريش بينهم ».. يقول الطيبي : لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم [119]0
القول الثالث :                                                                                                      
  بالقول بعدم اجتماع صفة الصلاة مع عبادة الشيطان ؛ قال العلامة القاري في توجيه الحديث : فالأولى أن يقال : إن المراد أن المصلين لايجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى [120]0
وقال العلامة القرطبي « يعني – والله أعلم – أن المسلمين في جزيرة العرب ما أقاموا الصلاة فيها وأظهروها لم يظهر طائفة يرتدون عن الإسلام إلى عبادة الطواغيت والأوثان ، فإذا تركوا الصلاة وذهب عنهم اسم المصلين فإذ ذاك يكونون شرار الخلق ، وهذا إنما يتم إذا قبض الله تعالى المؤمنين بالريح الباردة» [121]0
 ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن الصلاة التي يستحق صاحبها اسم المصلي حقيقة ظاهراً وباطناً هي الصلاة ذات التدبّر والخشوع والتي تكون ثمرتها النهي عن الفحشاء والمنكر ، وهذه الثمرة ليست موجودة في كل صلاة وقد بين ذلك أهل التفسير: قال أبو العالية ( عن الآية ) إن الصلاة فيها ثلاث خصال ، فكل صلاة لايكون فيها شئ من هذه الخصال فليست بصلاة ؛ الإخلاص والخشية وذكر الله ؛ فالإخلاص يأمر بالمعروف والخشية تنهاه عن المنكر وذكر الله القرآن يأمره وينهاه . وذكر الحديث الموقوف الذي حكم بصحته لاصلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر [122]0
  وقال العلامة القرطبي ( ماملخصه ) أن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة  ذات الخشوع والتدبر ، وإذا فقدت ذلك ، كصلاتنا ، فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان ، فإذا كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى تركته الصلاة يتمادى على بعده وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزد بها من الله إلا بعدا » قال ابن عطية سمعت أبي رضي الله عنه يقول : فإذا قررنا ونظر معناه فغير جائز أن يقول أن نفس صلاة العاصي تبعده من الله حتى كأنها معصية وإنما يتخرج ذلك على أنها لاتؤثر في تقريبه من الله ، بل تتركه على حاله ومعاصيه[123]0
   والحديث السابق قد روي مرفوع لكنه ضعيف ، قال الحافظ ابن كثير : والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والأعمش وغيرهم [124] 0 وعن المنكر الذي تنهى عنه الصلاة يقول فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : والصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر ، . وأعظم المنكر الشرك بالله وصرف محض حق الله إلى غيره من الأنبياء والصالحين فيكون هذا القيد [125] لازماً للشهادة وإخلاص الدين ، فيكون المعنى : أن الشيطان يئس أن يعبده المخلصون دينهم لله فتأمل نكتة تقييده بالمصلين ، ويعني بها حقيقة الصلاة وثمرتها [126].                                                                                                                                                                                                  
القول الرابع :
 بحمل لفظ المصلين على المؤمنين المتصفين بصفات خاصة ، يقول العلامة محمود شكري الآلوسي :( إن الشيطان لايطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب ).وهم المصدقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له ، المتمثلون لأوامره ولا يشك أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه فلا يطمع الشيطان أن يعبده ... وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين [127] .
وقال بعضهم: مقصود النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في الحديث الآخر: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله» [128]. وهذا من باب حمل العام على الخاص 0
القول الخامس :
إن الشيطان قد أيس أن يعبد هو نفسه مباشرة كفاحاً لا أن تعبد الأصنام والملائكة والصالحون [129]0
  القول السادس                                                                                                     
  لعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن طوائف من الأمة سوف يشركون ، وقد يعكر صفو هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حجة الوداع أيضا وهي في آخر حياته [130]0
القول السابع
 المراد أن الشيطان قد أيس أن يعبد أو تعبد الأصنام في بلاد العرب في كل وقت وزمان ، فهذا لن يكون إن شاء الله ، وقد يشهد لهذا لفظة (أبداً) المذكور في الرواية الأخرى[131]0وقد يقوي هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عزوجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي ؛ فكل مجدد يصحح الإنحرافات التي يجدها في زمنه 0
القول الثامن :  
 بحمل عبادة الشيطان على معنى خاص وهو عبادة الأصنام ، ففي تحفة الأحوذي قال نقلاً عن القاضي : اختصر القاضي كلام الشراح ، وقال : عبادة الشيطان ، عبادة الصنم لأنه الآمر به والداعي إليه بدليل قوله (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ...) [132] مريم44 0
  وقد رد هذا القول العلامة القاري قال : وفيه أن دعوة الشيطان عامة إلى أنواع الكفر غير مختص بعبادة الصنم[133]0
  وقال شيخنا أحمد المعلم في رد ذلك : ما الدليل على تخصيص عبادة الشيطان بذلك دون سواه من أنواع الكفر والإلحاد ؟ الواقع أنه لا دليل على ذلك ، وأن جميع أنواع الكفر – من شرك وإلحاد وغيرها – هي من عبادة الشيطان [134] 0 ويرد على ذلك – أيضاً – ما نقله الحافظ عن القاضي عياض من أن أهل الردة كانوا ثلاثة أصناف : صنف عادوا إلى عبادة الأوثان [135]0
القول التاسع :                                                                                                    
 بالقول بأنه لا يقع في هذه الأمة عبادة للشيطان مطلقاً ، فلا يقع أحد في الردة : لا أفراد ولا جماعات . وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصوفية ، واضطرب بعضهم فقال : الأمة معصومة من الشرك ، وغير معصومة من الكفر والردة 0
وهذا القول مردود من وجوه :
1- النصوص الصريحة وغير الصريحة السابقة ( وهي شاملة للكفر والنفاق والشرك ) 0
2- والنصوص السابقة تشتمل على أحاديث قال عنها الشيخ أحمد المعلم: إن هذه الأحاديث دالة قطعاً على أن الحديث الذي يستدلون به « إن الشيطان قد يئس ..» ليس على عمومه ، بل هو مخصوص ومعلوم عند أهل الأصول أن العام الذي قد دخل عليه التخصيص تضعف دلالته بذلك ولا يكون كالسالم من ذلك الذي لم يتطرق إليه تخصيص وعلى هذا فإننا نقول : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر يأس الشيطان مقراً له فإن ذلك محمول على حال مخصوص وهو أن تجتمع الأمة على عبادة الأوثان أو نحو ذلك من المعاني والأحوال[136] 0
3- مخالفته لإجماع أهل العلم على جواز طروء الكفر والشرك على كل مكلف إلا الأنبياء فهم مخصوصون بعصمة الله لهم من ذلك كله .. ولم يستثن أهل العلم أهل الجزيرة من هذه الأحكام [137] . ولذلك عقد العلماء باباً في كتب الفقه سموه باب الردة : يقول النبي صلى الله عليه وسلم « من بدل دينه فاقتلوه » رواه البخاري وأبو داود والترمذي0  بل قد أفردها كثير من العلماء بكتب مستقلة لوقوع كثير من الناس فيها 0 وما يذكره العلماء هنا من أسباب الردة يرجع إلى أمرين هما : الكفر والشرك ، فهذا الفقيه الشافعي الصوفي المشهور ابن حجر المكي الهيتمي ، المعتمدة أقواله واختياراته الفقهية عند شافعية حضرموت ؛ قد ألف في نواقض الإسلام كتابا مستقلا بعنوان " الإعلام بقواطع الإسلام " وقد بين الغرض من تأليفه بقوله " أحببت في هذا التأليف تحرير الألفاظ المكفرة التي ذكرها أصحابنا وغيرهم ، فإن هذا باب منتشر جداً وقد اضطربت فيه أفكار الأئمة وعباراتهم وزلت فيه أقدام كثيرين ، ولخطر أمره وحكمه كان حقيقاً بالإفراد بالتأليف ولم أر أحداً عرج على ذلك فقصدت تسهيل جمعه وبيان ما وقع للناس فيه بحسب ما أطلعت عليه "[138]0 ومن قواطع الإسلام التي ذكرها تبعا لصاحب الفروع من الحنابلة " ومن ذلك أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم قالوا :إجماعا"[139]0 ومن ذلك السجود لغير الله وفق الضابط الذي ذكره هناك من أن ذلك السجود " قد يكون كفرا إن قصد به عبادة مخلوق أو التقرب إليه ، وقد يكون حراما بأن قصد به تعظيمه أو أطلق       "ومن المكفرات أيضا( السحر ) الذي فيه عبادة الشمس ونحوها  "[140] 0 0 وكذا يقطع بتكفير " من فعل فعلا أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر ، وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله كالسجود للصليب أو النار أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها "[141] 0 والأمثلة المذكورة آنفا هي من أنواع الشرك 0              
4- مخالفته لإجماع أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ممن كفروا من ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام : (كفرا أم شركا ) ، من أهل الجزيرة كان أم من غيرها [142]0 ومن ذلك حكم الصحابة على أهل الردة ، وقتل الخليفة أبو بكر رضي الله عنه امرأة ارتدت في خلافته والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد [143] ، وقتل أبو موسى اليهودي الذي أسلم ثم ارتد بطلب من معاذ رضي الله عنه [144] . وقد ذكر الحافظ أبن الجوزي تكفير العلماء لجماعة من الصوفية ، قال: وأنكر جماعة من العلماء على أبي سعد الخراز ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في كتاب صنفه [145] ، وقال أتفق علماء العصر في إباحة دم الحلاج .. وقد تعصب للحلاج جماعة من الصوفية جهلاً منهم وقلة مبالاة بإجماع الفقهاء[146] .
5- وقوع الردة بالفعل في هذه الأمة وقد سبق بيان ذلك .
6- مخالفته لفعل بعض مشايخهم في تكفيرهم جماعات من أهل الجزيرة مع كونهم داخلين في بشارة النبي صلى الله عليه وسلم التي زعموها بخلو الجزيرة من المشركين ومن ذلك تكفيرهم للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن ناصره محتجين بأنهم مبغضين للنبي صلى الله عليه وسلم أو منتقصين له... [147]        
   وهاك نموذجاً مما كتبه زعيمهم أحمد زيني دحلان عن الشيخ محمد وأتباعه فقد نقل عن أشياخه بأنهم كانوا « يتفرسون فيه الإلحاد والضلال ، فكان الأمر كذلك وما أخطأت فراستهم » 0وقال عن مناظرة وقعت بين ثلاثين عالم من أتباع الشيخ محمد وبعض علماء مكة  « فبعد أن أقاموا عليهم الحجة والبرهان أمر الشريف مسعود قاضي الشرع أن يكتب حجة بكفرهم الظاهر ليعلم به الأول والآخر وأمر بسجن أولئك الملحدة الأنذال » « وأن أمير مكة أمر العلماء أن يختبروهم فاختبروهم فوجدوهم لايتدينون إلا بدين الزنادقة "[148]  .                                                                                                                           
   وما نقله الشيخ علوي بن طاهر الحداد عن الشيخين الشافعيين الشهاب الرملي وابن حجر المكي موافقا لهما فيه : (وسئل الشيخ أحمد الرملي عن القائل بوحدة الوجود فقال: يقتل هذا المرتد وترمى جيفته للكلاب ؛ لأن قوله هذا لايقبل تأويلاً. وكفره أشد من كفر اليهود والنصارى، واستحسن الشيخ ابن حجر منه هذه الفتوى، وكان قبل ذلك يتمحل لبعض المتصوفة القائلين بها ويؤول كلامهم فرجع عن التأويل.)[149] 0
   وما نقله جامع كتاب النفائس العلوية في المسائل الصوفية من فتوى الشيخ عبد الله الحداد  - المعروف بالإمام القطب - : (وسأله بعض الأصحاب أيضاً عن الكبش الذي يعتاد أهل الغيل تركه في بيوتهم ويسمونه مسايراً. فأجاب رضي الله عنه ونفعنا به: أما الكبش الذي يعتاد تركه أهل الغيل في بيوتهم ويسمونه  " مسايراً " وكلما ذهب أبدلوه بغيره. فهذا والعياذ بالله من الشرك بالله والشرك ظلم عظيم،وهو وأمثاله سبب تسلط الشيطان وجنوده على العاملين به. فإن الله تعالى قد سلط الشيطان على من يتبعه من بني آدم، وهذا من الإتباع له قال الله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاويين)[150]0
7 – ويمكن أن يضاف - في الرد على القول بعصمة الأمة من الشرك لا الكفر والردة - إلى ما تقدم الآتي :
-  الكفر والشرك من الألفاظ المترادفة ولم يأت في النصوص الشرعية تفريق دقيق بينهما ؛ ووقوع الكفر في الأمة يكاد أن يكون من المسلمات لدى الجميع فيلزم من ذلك وقوع الشرك 0
- وعلى القول بالتفريق بين اللفظتين في الدلالة فإن الشرك يدخل في مفهوم لفظة الكفر عند إطلاقها 0
- ومفهوم عبادة الشيطان يشمل الكفر والنفاق والشرك كما تقدم بيان ذلك 0
- لا دليل على تخصيص عبادة الشيطان بأحد أنواعها كما تقدم في رد تخصيص عبادة الشيطان بعبادة الوثن 0
 تنبيه : قال العلامة محمود شكري الألوسي بعد أن ذكر بعض الإحتمالات في دلالة الحديث : وأنت تعلم أن الدليل متى طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال)[151] 0 وذلك لأن تلك الإحتمالات- في نظره - متساوية في الرتبة ولا يمكن ترجيح بعضها على البعض الآخر 0

خلاصة عن الحديث :
  الذي يظهر من كلام أهل العلم أن أقوى الأقوال في بيان دلالة الحديث هو القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عما وقع في نفس الشيطان في ذلك الوقت ولكن ليس على سبيل الإقرار بيأسه .
وذلك للإعتبارات التالية  :
1-    إن يأس الشيطان ليس بدليل أصلاً ، لأنه مخلوق لا يعلم الغيب كما تقدم .
2-  ما جاء في تأويل قوله تعالى : ( فلما أستيأس الرسل  ) من أن أتباع الرسل يئسوا من حصول النصر ومع ذلك جاءهم النصر قريباً . وما جاء في تأويل قوله تعالى ( كما يأس الكفار من أصحاب القبور ) من أن الكافرين يئسوا من الاجتماع بأقاربهم الكفار لأنهم لا يؤمنون بالبعث  .
 ففي الآيتين ذكر الله يأس  الرسل وكذلك يأس الكفار لكن ليس على سبيل الإقرار بما يئسوا منه .
3-    لا توجد في الحديث دلالة قاطعة على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بيأس الشيطان .
 ويلي هذا القول في القوة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يأس الشيطان مقراً له على ذلك ، ومقصوده ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدم وقوع الأمة كلها في الشرك لا عدم وقوع بعضها فيه . وذلك للإعتبارات التالية :
1-    المصلون لفظ عام يشمل جميع الأمة .
2-    الأدلة المذكورة سابقاً التي دلت على وقوع طوائف من الأمة في الشرك وكذلك الحوادث التاريخية .
3-  حمل بعض المفسرين يأس الكافرين في قوله تعالى : ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) على اليأس من ارتداد جميع المسلمين وأن الله أقرهم على ذلك اليأس .


الحديث الثاني :
وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إني والله ماأخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف الدنيا أن تنافسوا فيها » والحديث رواه أحمد والبخاري في الجنائز والمناقب والمغازي وذكر الحوض والإمام مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو داود والنسائي في الجنائز .
دلالة الحديث : في توجيه الحديث هناك ثلاثة أقوال :
القول الأول :
المراد من الحديث عدم ردة الأمة كلها ، قال الإمام النووي : « معناه : وإنها لاترتد جملة ( أي أمته ) وقد عصمها الله تعالى من ذلك [152] ».
 وقال الحافظ « ( ما أخاف عليكم أن تشركوا ) أي على مجموعكم ، لأن ذلك قد وقع من البعض [153]» وفي « عمدة القاري [154]» للعلامة العيني و« إرشاد الساري[155] » للعلامة القسطلاني و« شرح الكرماني [156]» و« تحفة الباري[157]» للعلامة زكريا الأنصاري ، مثل ماجاء في شرح الحافظ ، والشروح السابقة هي لصحيح البخاري .
القول الثاني :
 المقصود بالخطاب الصحابة رضي الله عنهم ، ففي الفتح عند شرح الحديث وبيان معجزاته ، وأن منها « أن أصحابه لايشركون بعده فكان كذلك [158] ».
القول الثالث :
 المراد أنها لاتقع ردة في هذه الأمة مطلقاً . وهذا الوجه ضعيف ومردود بما تقدم .




وقفة لطيفة مع آية
   والآية هي الآية الثالثة من سورة المائدة والتي فيها قوله تعالى (...الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ...) المائدة3 ، فهل هناك تشابه بين معنى الآية ومعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق « إن الشيطان قد  يئس". لننظر إلى أقوال بعض أهل التفسير :
  قال العلامة ابن الجوزي : « وفي معنى يأسهم قولان : أحدهما : أنهم يئسوا أن يرجع المؤمنون إلى دين المشركين ، قاله ابن عباس والسدّي ، والثاني يئسوا من بطلان الإسلام ، قاله الزجاج . قال ابن الانباري : وإنما يئسوا من إبطال دينهم لما نقل الله خوف المسلمين إليهم وأمنهم إلى المسلمين ، فعلموا أنهم لا يقدرون على إبطال دينهم ، ولا على استئصالهم[159]» .
 وقال العلامة ابن عطية « ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ) معناه عند ابن عباس رضي الله عنهما : من أن ترجعوا إلى دينهم ، قاله السدّي وعطاء وظاهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم وظهور دينه يقتضي أن يأس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه ، لأن هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار ، ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة : ألا بطل السحر اليوم ، إلى غير هذا من الأمثلة وهذه الآية نزلت في أثر حجة الوداع ، وقيل في يوم عرفة ، ولم يكن المشركون يومئذ إلا في حيز القلة ، ولم يحضر الموسم منهم بشر ، وفي ذلك اليوم انمحى أمر الشرك من مشاعر الحج ، ويحتمل قوله تعالى ( اليوم ) أن يكون إشارة إلى اليوم بعينه ، لاسيما في قول الجمهور عمر بن خطاب رضي الله عنه وغيره ، أنها نزلت في عشية عرفة يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الموقف على ناقته وليس في الموسم مشرك ... ويحتمل أن يكون إشارة إلى الزمن والوقت ، أي  في الأوان يئس الذين كفروا من دينكم » .
 وقوله تعالى ( الذين كفروا ) يعم مشركي العرب وغيرهم من الروم والفرس وغير ذلك ، وهذا يقوي أن اليأس هو من انحلال أمر الإسلام وذهاب شوكته ويقوّي أن الإشارة باليوم إنما هي إلى الأوان الذي فاتحته يوم عرفة ، ولامشرك بالموسم ، ويعضد هذا قوله تعالى : (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) فإنما نهى المؤمنين عن خشية جميع أنواع الكفار وأمر بخشيته تعالى التي هي : رأس كل عبادة [160].
وكلام المفسرين السابقين يتضمن مسألتين :
الأولى : أن الله ذكر يأس الكافرين مقراً لهم على ذلك ، وهذا قد يقوي قول من قال إن إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بيأس الشيطان أن يعبد ، إنما هو على سبيل الإقرار بذلك .
الثانية : أن يأس الكافرين يحتمل معنيين :
أ‌-       اليأس من القضاء على الإسلام بالقضاء على أهله .
ب‌-   اليأس من ارتداد المسلمين حتى ينتهي أمر الإسلام .
وهذا المعنى الأخير يقوّي قول من قال أن معنى حديث يأس الشيطان إنما هو اليأس من ارتداد جميع المسلمين .

















اللوازم الباطلة على قول المخالف بامتناع الردة  :
 وفي سياق الجواب عن استدلال المخالف ، هاهنا بعض اللوازم الباطلة التي يستلزمها قوله بعدم عودة عبادة الشيطان مطلقاً .. وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم :
1 - إنكار الإجماع على تكفير المرتد وحذف باب الردة من كتب الفقه ..
2 - عدم تكفير أهل الردة الذين كفرهم و قاتلهم الصحابة ، وكانوا أكثر أهل الجزيرة .
3 - عدم تكفير القرامطة ..
4 - إن قول الله سبحانه وتعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الزمر65 وغيرها من الآيات والأحاديث التي تحذر من الشرك وتبين سوء عاقبته ، أنها لا أهمية لها ولا فائدة منها وينبغي إهمالها وعدم الالتفات إليها .
5 - لا داعي لتحذير أمة الإجابة من الشرك .
6 -عدم تكفير من تبنى عقائد تناقض الإسلام من أعضاء الحزب الاشتراكي.
7 -  التناقض مع الدلائل التاريخية والواقعية المثبتة لحصول الارتداد عن الدين من أفراد وجماعات في الجزيرة وغيرها من بلاد المسلمين .
8 - ما ذكره علامة العراق الصوفي : محمود عبدالله الآلوسي من لوازم     – في سياق حديثه عن جواز طروء الكفر ومنه الشرك على المسلم-          " وادعى بعضهم أن هذا بالنسبة إلى الإيمان الغير كامل وما رجع من رجع إلا من الطريق ، وأما بعد حصول الإيمان الكامل  والتصديق الجازم والعلم الثابت المطابق فلا يتصور رجعة وكفر أصلاً لئلا يلزم انقلاب العلم  جهلاً وهو محال والتزم تأويل جميع ما يدل على ذلك ، ولا يخفى أن هذا القول مما يكاد يجر إلى الأمن من مكر الله تعالى ، والتزام تأويل النصوص لشبهة اختلجت في الصدر هي أوهن من بيت العنكبوت في التحقيق مما لا يقدم عليه من له أدنى مسكة كما لا يخفى فتدبر "[161]0
وقد ذكر هنا لازمان :
- إن القول باستحالة وقوع الكفر و الشرك في الأمة يجر إلى الأمن من مكر الله ويشجع الناس على الوقوع في الكفر والشرك 0
- تأويل جميع النصوص التي تدل على طروء الكفر والشرك ؛ دون وجود دليل يصرفها عن حقيقتها وظاهرها 0
  وفي الختام أرجو من كل من أطلع على هذا الموضوع ولديه عليه ملاحظة أو إضافة معلومة أو تصحيح خطأ تقديمه وله جزيل الشكر والله الموفق 0                                                                                                                                                                                                 {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}0
                                                                                                                            
                                                                                                                                                                           
 






















الفهرس :
1- تمهيد                                                                  1                                                                                
2 – حقيقة عبادة الشيطان                                            3                                    2  
3 – وقفة متممة ببيان معنى لفظتا الكفر والشرك               5                                                                                                                       
4 – فطرة الله ودور الشيطان في تبديلها                           7                                                
5 – النصوص الدالة على عودة عبادة الشيطان                12                                                 
6 – النصوص الصريحة                                             12                                               
7 – النصوص الغير صريحة                                       17                                              
8 – حوادث التاريخ                                                  31                                                 
9 – وقفات مع استدلال المخالف                                  34                                               
10 – الحديث الأول                                                  34                                              
11 – الاحتمال الأول                                                 34                                              
12- الاحتمال الثاني                                                 35                                               
13- خلاصة عن الحديث                                           43                                                  
14 – الحديث الثاني                                                44                                              
13- وقفة لطيفة مع آية                                           45   
14 – اللوازم الباطلة                                              47 





[1]  ) راجع كتاب "منهج أهل السنة في التلقي والإستدلال " للشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصويان ، وكتاب     " قواعد الإستدلال على مسائل الإعتقاد " للشيخ عثمان علي حسن 0
[2] ) « شرح صحيح مسلم » ج 1 ص219
[3] ) « جامع البيان » ج 12 ص31
[4] ) « المحرر الوجيز » ج12ص315
[5] ) مفاتيح الغيب » ج26 ص85
[6] ) « زاد المسير » ص887
[7] ) « الجامع لأحكام القرآن » ج11 ص79
[8] ) « المحرر الوجيز » ج 9 ص 476
[9]) « التحرير والتنوير  » ج22 ص 254
[10])  "مجموع الفتاوى " ج11 ص672
 [11]) « راجع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة » ص549 وما بعد
[12]) " شرح صحيح مسلم " ج2 ص71
[13])  " الفتح " ج5 ص262
[14]  ) " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ج9 ص174- 175
[15]  ) " شرح منظومة الإيمان " ج1 ص82 للشيخ عصام البشير
[16] ) " تفسير ابن كثير" ج3 ص500
[17] )  "  فتح القدير " ج4 ص318
([18] " شرح الزرقاني على ا لموطأ " ج2 ص119 - 120
[19]) " أضواء البيان " ج5 ص174
[20]) " معالم التنزيل " ج6 ص271
[21]) " أضواء البيان " ج1 ص542
[22]) " المصدر السابق " ج5 ص173
[23])" الجامع لأحكام القران" ج14 ص292
[24]  ) " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " للشيخ حمود التويجري ج2 ص223 - 224
[25]  )  " تاج العروس "ج32 ص525 - ش
[26]  ) "رسالة التوحيد" ج1 ص14
[27] ) في  المهذب للشيرازي- (1 / 139-140)قال الشافعي رحمه الله " وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس"0
[28]  ) " الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع " ص62- 63
[29] ) « فتح الباري » ج14 ص583
[30] ) « القبورية في اليمن » ص111
[31] ) «شرح صحيح مسلم » ج 9 ص261
[32] ) « إرشاد الساري»  ج10 ص202
[33] ) « عمدة القاري » ج16 ص374
[34] ) « النهاية في غريب الحديث » ج1 ص64
[35] ) « شرح صحيح مسلم » ج2 ص115.
[36]  ) " معالم التنزيل" ج2 ص88
[37] ) – من تلاميذ الشيخ أبي إسحاق الحويني _
[38]  ) "صفة النفاق وذم المنافقين " ص137 - 138
[39]  ) " شرح صحيح البخاري " لابن بطال ج10 ص60
[40] ) « اليوم الأخر ، القيامة الصغرى » للشيخ  عمر الأشقر ص162
[41] ) « البداية النهاية » للحافظ ابن كثير ج6 ص307 ، 311
[42] ) « مجانبة أهل الثبور والمصلين في المشاهد وعند القبور  الشيخ عبد العزيز الراجحي ص193
[43]) « شرح صحيح مسلم » ج 16 ص 180
[44] ) قال الهيتمي في مجمع الزوائد - (7 / 517)رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات
[45] ) « فتح الباري » ج 5 ص 236
[46] ) « الاعتصام » ج1 ص23
[47] ) " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " ص177 – 178
[48] ) « الإعتصام » ج2 ص246
[49] ) « إرشاد الساري » للقسطلاني ج10 ص 3290
[50] ) جامع الأصول في أحاديث الرسول - (10 / 34)
[51] ) « فتح المجيد شرح  كتاب التوحيد ».ص76
[52] ) « فتح المجيد » بتعليق العلامة ابن باز رحمه الله ص121
[53] ) « تحفة الاحوذي »ج15 ص53
[54]  ) " عمدة القاري " ج31 ص165
[55] ) « تحفة الاحوذي » ج11 ص180
[56] ) « زاد المسير في علم التفسير  » ص1235
[57]  ) " الجامع لأحكام القران" ج3 ص48
[58] ) " الفتح " ج 12 ص494
[59] ) « فتح القدير » ج4 ص588
[60] ) « المحرر الوجيز » ج8 ص251
[61] ) « الجامع لأحكام القرآن » للقرطبي ج9 ص241
[62] ) « التحرير والتنوير » ج5 ص135
[63] ) « فتح القدير » ج2 ص447
[64] ) « الجامع لأحكام القرآن » ج9 ص222
[65] ) " تغليق التعليق على صحيح البخاري - (5 / 360)
[66] ) "  الدر المنثور9" ج4 ص593 - ش
[67] ) وفي  صحيح مسلم - (4 / 8)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَيْلَكُمْ قَدْ قَدْ ». فَيَقُولُونَ إِلاَّ شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ.
[68] )  "  جامع البيان " ج16 ص286
[69]) ش " زاد المسير" ج4 ص294
[70] )  " تفسير ابن كثير" ج4 ص418
[71] )  " أحكام القران  " ج4 ص395
[72] ) « فتح الباري » ج17 ص7
[73] ) " الفتح " ج5 ص262
[74] ) " فيض القدير"ج6 ص14
[75]  ) " عمدة القاري " ج34 ص400
[76]  ) " فتح الباري " ج12 ص266
[77]  ) " التوضيح لشرح الجامع الصحيح " ج31 ص505
[78] )  " روح المعاني " ج2 ص421
[79] ) " روح المعاني ج14 ص418
[80] ) " شرح الأربعين" ج1 ص26 - ش
[81] ) " شرح مسلم " ج11 ص29
[82] ) " فتح الباري"  ج1 ص181
[83] ) "عمدة القاري" ج2 ص234 - ش
[84] ) « شرح صحيح مسلم » ج15 ص53
[85]) « فتح الباري » ج11ص 393
[86] ) " مرعا ة المفاتيح " ج8 ص244
[87] )  " فيض القدير " ج2 ص171
[88] ) " مرعا ة المفاتيح " ج8 ص126
[89] ) " صحيح الترغيب والترهيب " ج1 ص113 برقم 472
[90] ) "تحفة الأحوذي " ج9 ص312
[91] ) " ظلال الجنة في تخريج السنة لإبن ابي عاصم " ج1 ص264 برقم 512
[92] ) " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ج4 ص444 - ش
[93]) « شرح صحيح مسلم » كتاب الإيمان ج7 ص 418
[94] ) " الفتح " ج7 ص6
[95]  (« نور اليقين في سيرة سيد المرسلين » للخضري ص 105
[96] (« سير أعلام النبلاء » ج2 ص221 وطبقات ابن سعد ج8 ص97
[97] ) « الفتح » كتاب الحج وكتاب المغازي .
[98] ) « الروض الآنف » ج4 ص 72
[99] ) « البداية والنهاية  ج6 ص403
[100] ) « عن القبورية في اليمن » ص113
[101] ) « المصدر السابق » ص113
[102] ) انظرها في" تلخيص الحبير» ج4 ص49 كتاب الحدود
[103] ) « الفتح » كتاب استتابة المرتدين وكتاب الجهاد ج6 ص182
[104]« الفتح " ج12 ص270
[105] ) « المصدر السابق » ج 12 ص 114
[106] ) « عن القبورية في اليمن » ص114
[107] ) « مكمل إكمال الإكمال» المطبوع بهامش « إكمال إكمال المعلم » ج7 ص206 وهو من شروح صحيح مسلم للسنوسي (832 - 895 ه = 1428 - 1490 م)وهو محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسى  - الأعلام للزركلي (7/  154)0
[108]  ) " الدرر السنية " ج12 ص117
[109] ) الدرر السنية  ج12 ص117
[110] ) « مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين » ج2 ص205
[111] ) « مجانية أهل الثبور» ص210
[112] ) « القبورية في اليمن » ص112
[113] ) انظر « فتح الباري » ج10 ص328 ، 329
[114] ) « تفسير ابن كثير » ج4 ص457
[115] ) « شرح صحيح مسلم » ج2 ص205
[116] ) « خصائص جزيرة العرب » ص29
[117] ) « حاشية ابن قاسم » ص183
[118] ) « القبورية في اليمن » ص111
[119] ) « فتح المنان » ص497-499 عن " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "ش ج1ص270
[120] ) « مرقاة المصابيح » ج1 ص43
[121] ) « المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم » تأليف القرطبي ج7 ص310
[122] ) « تفسير ابن كثير » ج3 ص550
[123] ) « الجامع لأحكام القرآن » ج7 ص226
[124] ) « تفسير ابن كثير » ج3 ص550
[125] ) (أي قيد المصلين في قوله عليه الصلاة والسلام « أن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون »)
[126] ) « هذه مفاهيمنا » ص212
[127]) « دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب » للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف ج1 ص269 - ش
[128] ) " بيان شبهة من قال بعدم وقوع الشرك " ص8للشيخ أبي بكر محمد زكريا - ش
[129] ) " المصدر السابق " ص8
[130] ) " بيان شبهة من قال بعدم وقوع الشرك " ص8 - ش
[131] ) " المصدر السابق " ص9
[132] ) « تحفة الأحوذي » ج6 ص55
[133] ) « المصدر السابق » ج6 ص55
[134] ) « القبورية في اليمن » ص115
[135] ) « فتح الباري » ج12ص276
[136] ) « القبو ريه في اليمن » ص111
[137] ) « مجانبة أهل الثبور » ص209
[138] ) "  الإعلام"  ص46
[139] ) "  المصدر السابق  " ص213
[140] ) " الإعلام" ص75
[141] ) "المصدر السابق " ص164
[142] ) « مجانبة أهل الثبور  » ص206
[143] ) « فتح الباري » ج17ص17
[144] ) « المصدر السابق » ج17 ص21
[145] ) « تلبيس إبليس » ص153
[146] ) « تلبيس إبليس » ص154
[147] ) « مجانبة أهل الثبور للرا جحي » ص206 ، 207
[148] ) « الدرر السنية في الرد على الوهابية » ص46 ، 47
[149] )  "عقود الألماس " 1 / 104عن " القبورية في اليمن " ص654
[150] ) ص127 – 128عن  القبورية  في اليمن ص655
[151]  ) " فتح المنان " ص499 عن كتاب " دعاوى المناوئين" لفضيلة الشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف
[152] ) « شرح صحيح مسلم » ج15 ص58
[153] ) « فتح الباري » ج3 ص251
[154] ) « عمدة القاري » ج12 ص491
[155] ) « إرشاد الساري » ج2 ص440
[156] ) « شرح الكرماني » ج7 ص123
[157] ) « تحفة الباري » ج2 ص232
[158] ) « فتح الباري » ج6 ص710
[159] ) « زاد المسير » مجلد واحد ص358
[160] ) « المحرر الوجيز» ج4 ص343
[161] )  " روح المعاني " ج2 ص421
واصل القراءة »
قوالب بلوجر معربة واحترافية مجانية